وكاد الدستور يذهب مع الريح!
كان القائمون على أمر إصدار الدستور يتجاوزون العقبة تلو الأخرى بما يشبه سباق الحواجز، فما ان يتخطوا حاجزاً حتى يظهر حاجز آخر. ولا يبدو أن الحواجز قد انتهت.
تدل الشواهد والمؤشرات كلها على أن الدستور كعقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم، لم يكن نبتاً شيطانياً ظهر في غير أرضه، بل جاء ضمن سياق تراتبي متوقع ربما كانت بوادره منذ 1921 مروراً بـ1932 وقوفا بـ1938 وبداية انطلاق في حقبة الخمسينيات حتى جاء وهلّ علينا عام 1962.وقد لعبت الظروف السياسية المحيطة باستقلال الكويت دوراً مهماً في إنضاج عملية إصدار الدستور، فقد أدت مطالبة عبدالكريم قاسم بالكويت واعتبارها ليست إلا «فضاءً سليباً» تابعاً لولاية البصرة إلى التعجيل بالتحولات الكويتية. فعلى إثر ذلك تشكلت لجنة كويتية برئاسة الشيخ جابر الأحمد وزارت دولاً عربية عدة لشرح موقف الكويت، وأعدت تلك اللجنة تقريراً عن زيارتها رفعته الى الأمير الشيخ عبدالله السالم كان من ضمن توجهاته ضرورة انتهاج الكويت نظاماً ديموقراطياً.كان بالإمكان أن تتعثر تلك الخطوة، وربما كادت تتحول إلى شيء آخر، أو وثيقة أقل مما هو بين أيدينا الآن.تمثلت العقبة الأولى في كيفية إقرار الدستور، وكيفية إعداد مسودته. وكان بالإمكان لأمير بمكانة ووزن الشيخ عبدالله السالم أن يصدر دستوراً ويعرضه على الكويتيين باستفتاء عام، ولكنه لم يفعل ذلك، فقد كان حينها سيكون دستوراً منحة من الحاكم إلى شعبه، ولذا تقرر أن يتم انتخاب مجلس تأسيسي يضع الدستور ويناقشه ويقره ثم يعرضه على الأمير. وهكذا كان، فجاءت العقبة الثانية وتسببت تداعياتها في ما قد لا يُحمد عقباه وكانت تلك العقبة هي عدد أعضاء المجلس التأسيسي وعدد الدوائر الانتخابية، وانقسم الرأيان هنا إلى معسكرين؛ الأول، يمثل الشريحة التجارية الوطنية والقوى الوطنية التي كان يسود عليها التيار القومي، والمعسكر الثاني هو المعسكر الحكمي، فقد أراد التيار الأول أن تكون الكويت كلها دائرة انتخابية واحدة، بينما أراد التيار الثاني أن تكون الكويت مقسمة الى 20 دائرة انتخابية. ولا يخفى علينا كيف أن معركة الدوائر تلك عادت مرة أخرى عام 1981 عندما أصدرت الحكومة، أو الحكم بصورة أدق، قانوناً زادت فيه عدد الدوائر من عشر دوائر إلى 25 دائرة انتخابية، إذ يتضح أنه كلما زاد عدد الدوائر الانتخابية زاد معها إمكان التلاعب في نتائجها. وبعد أخذ ورد تم الاتفاق بين الطرفين على عشر دوائر انتخابية، وهو النظام الذي ظل معمولاً به حتى عام 1981.لكن المفاجأة التي كادت تقصم ظهر البعير بتاريخ 6 سبتمبر 1961كانت في قيام الشيخ عبدالله السالم بإصدار قانون رقم 20/ 1961 بتاريخ 6 سبتمبر 1961، الذي قسّم الكويت إلى 20 دائرة انخابية ضارباً عرض الحائط باتفاق الحل الوسط على الدوائر العشر. وقد تحركت الدوائر الشعبية موضحة للأمير، ان بداية من هذا النوع لا تبشر بخير، وأنهم قد لا يشاركون في الانتخابات المزمع إجراؤها. وقد استجاب الشيخ عبدالله السالم بصورة غير مسبوقة فأصدر قانونا جديداً بتاريخ 7 أكتوبر 1961. ربما لم يكن أحد يستطيع القيام بذلك إلا شخص كعبدالله السالم، وهكذا تم تجاوز العقبة الثانية. وكانت العقبة الثالثة متمثلة في طبيعة نظام الحكم خلال الفترة الواقعة بين الانتخابات حتى صدور الدستور وإقراره، فكان أن أصدر الأمير نظام الحكم في الفترة الانتقالية.وهكذا كان القائمون على أمر إصدار الدستور يتجاوزون العقبة تلو الأخرى بما يشبه سباق الحواجز، فما ان يتخطوا حاجزاً حتى يظهر حاجز آخر. ولا يبدو أن الحواجز قد انتهت.ولكن كيف اجتمع للدستور شخصيات مثل عبداللطيف ثنيان، وعبدالعزيز الصقر، ويعقوب الحميضي، وعلي الرضوان، ود.عثمان خليل، وعبدالعزيز حسين، وحمود الزيد الخالد، ود. أحمد الخطيب، ومحمد النصف، وعباس مناور، وعبدالله اللافي، وسعود العبد الرزاق، ويوسف المخلد، ومحمد الوسمي، ونايف الدبوس، وخليفة الجري وغيرهم كثير.فإصدار الدستور لم يقتصر فقط على أعضاء المجلس التأسيسي، حتى الرئيس جمال عبدالناصر كان له دور في ذلك، أما كيف حدث ذلك.فللحديث بقية.