سلفية أحمدي نجاد بين زمنين!
أحمدي نجاد يلزم وزراءه منذ اليوم الأول لتشكيلته الوزارية بالتوقيع على تعهد يشبه «البيعة» لبرنامج الحكومة عاما، ومَن يظهر عليه أثناء ذلك ما يشبه «نقض البيعة» يصرفه من «الخدمة» من دون رحمة، وهكذا فعل مع عدد من وزرائه حتى الآن! أحمدي نجاد بدأ عقب توليه سدة الرئاسة بسحب السيارات «الفارهة» من الدوائر الحكومية، وتعليق العلاوات كافة التي كانت تعطى إلى الموظفين على خلفية ما يطلق عليه بالعمل الإضافي!
أحمدي نجاد قرر أيضا عدم توزيع السكر. والسكر المكعبات في الدوائر الحكومية، وهي المادة الأساسية التي لا يستغني عنها كل الإيرانيين لتعلقهم الذي لا فكاك منه بشرب الشاي طوال ساعات العمل أو الراحة، واستعاض عنهما بتوزيع الزبيب وما أشبهه من وسائل «التحلية» الخالصة في محليتها! أحمدي نجاد «أجبر» -أولاً وتالياً- حوارييه وبطانته الأساسية من كادر الحكومة والدولة، على أن يبدؤوا العمل منذ ساعات الصباح الأولى إلى ساعة متأخرة من الليل حتى صار لبدء الدوام صلة بصلاة الصبح، ولانتهائه صلة بقرب انتهاء ساعات «العشاء»! أحمدي نجاد خرج على المألوف في اجتماعات مجلس الوزراء ونقل أجواء السلطة وفضاءاتها من العاصمة إلى المحافظات، وكأنه أراد أن يفرض المقولة التقليدية التي قامت -ولا تزال تقوم- عليها الدول الحديثة، ألا وهي مقولة المركز والأطراف! أحمدي نجاد قرر مخالفة الأعراف التي كانت متبعة من قبل أسلافه، في استقبال ضيوف الدولة الرسميين عندما قرر أن يجري لهم استعراض حرس الشرف في شارع فلسطين جنوب العاصمة طهران حيث توجد مقار الرئاسة والحكومة وسائر السلطات، وليس في باحات القصور الملكية الفارهة السابقة وساحاتها! أحمدي نجاد قرر زيادة أيام العطلة الرسمية للأعياد الإسلامية؛ وفي طليعتها عطلتا الأضحى ورمضان، وحاول جاهداً -ولا يزال- التقليل من أيام عيد رأس السنة الايرانية القومي الشهير المعروف بـ «النيروز»، التي تقارب الأسبوعين! أحمدي نجاد شن -ولا يزال- هجوماً قوياً على قوانين البنوك وتشريعاتها في الجمهورية الإسلامية التي تتمسك من دون مبرر عقلي -حسب رأيه- بالنسب الخيالية للفائدة، وهو ما يعتبره أحمدي نجاد هدراً للدخل القومي للفرد والجماعة في غير محله الصحيح، أي الإنتاج والصناعة والدورة الاقتصادية غير الربوية! أحمدي نجاد هاجم أخيراً وبشكل لاذع الأحزاب ومقولتها، واعتبر أنها لم تقدم شيئاً من أجل تقدم إيران ورقيها، وقال إنه لن يقدم لها أي دعم يذكر، حتى لو كان ريالا واحدا من بيت مال المسلمين! أحمدي نجاد أخيراً، وليس آخراً، قرر تغيير مواعيد بدء ساعات العمل الرسمي في البلاد بناء على أجواء شهر الصيام شهر رمضان المبارك وفضاءاته، وكذلك ساعات انتهاء الدوام الرسمي! أحمدي نجاد الذي دخل سباق الرهان على كرسي رئاسة الجمهورية تحت عنوان «لقد جاءكم رجل من جنس الناس» حاول -ولا يزال- من خلال كل ما تقدم، وهو غيض من فيض، أن يظهر أنه مختلف عمن سبقوه وأنه يخرج على المألوف من عرف الدول والأمصار بسهولة ومتى يشاء، وأنه من زمن آخر غير زمن الحداثة بالتأكيد! إنه يريد أن يقول إنه ينتمي إلى الزمن الهجري أولاً، وإلى «السلف» الصالح من الرجال ثانياً، وإنه لا يريد أن يرى بلاده تمضغ وتهضم وتذوب في عصر العولمة الغربي بامتياز ثالثاً! إنها أعمال وممارسات تصدر من رئيس لاشك أنه يعرف تماماً أن بلاده تنتمي إلى ما يعرف بالدول العصرية أو المعاصرة! لكنه يعرف أيضا أنه ينتمي إلى مجتمع يفترض أن أغلبيته «معجونة» بالثقافة والتقاليد والأعراف الإسلامية، وأنه لابد من «الجمع» بين هذا وذاك ما أمكن! والسؤال الذي لابد أنه يراوده، وهو يتصرف بالشكل آنف الذكر: هل يجتمع الزمنان باستمرار؟! سؤال يطرح نفسه عليّ أنا، وعلى الكثيرين أيضا كما أظن وأعتقد، ولكن الحل ليس بالقرارات وحدها بالتأكيد! إنه الحل الذي هو في حاجة الى الزمن المناسب أيضا، ولكن أي زمن وبأي ثمن؟! * الأمين العام لمنتدى الحوار العربي الإيراني