أوكرانيا على حافة الهاوية مرة أخرى
تُـرى هل يُضطر أهل أوكرانيا إلى تكرار الثورة البرتقالية بالاحتشاد مرة أخرى بالملايين لإرغام يانوكوفيتش (الذي أدين مرتين بارتكاب أعمال عنف قبل التحاقه بعالم السياسية) على تغيير مساره؟ فما لم يُـسْـمَح للمعارضة الديموقراطية في أوكرانيا بالمشاركة في هذه الانتخابات، فمن المحتم أن تنزلق البلاد إلى أزمة جديدة.
![بروجيكت سنديكيت](https://www.aljarida.com/uploads/authors/176_1682431716.jpg)
إن سعي يانوكوفيتش إلى التمسك بالسلطة، بالطرق الممكنة وغير الممكنة جميعها، من شأنه أن يسوق البلاد إلى الهاوية. والهاوية في أوكرانيا لا تعني الاضطرابات العنيفة فحسب، بل تعني أيضاً التدهور الاقتصادي وتجدد أعمال القمع. وفي نهاية الأمر قد تؤدي هذه المساعي إلى ذلك النوع من احتجاجات الشوارع الضخمة الذي شهدته الثورة البرتقالية، وما يترتب على ذلك من محاولات قمع هذه الاحتجاجات بالعنف.إن التاريخ الحديث حافل بالأمثلة المزعجة من الحكام المستبدين الذين يرفضون الإقرار أو التسليم بأن وقتهم في السلطة قد انتهى. إلا أن حيلهم السياسية الوقحة كانت خلال العشرين سنة الماضية تقابل بقوة جديدة عارمة، إنها القوة المتجسدة في الأصوات الحاشدة الصادرة عن أفراد الشعب العاديين الذين لا يهابون أساليب الترويع والتهديد. ومنذ ثورة «قوة الشعب» التي أطاحت بالدكتاتور فرديناند ماركوس في الفلبين عام 1986، مروراً بتحدي بوريس يلتسين لمحاولة الانقلاب التي دبرت ضد ميخائيل غورباتشوف في أغسطس 1991، إلى الثورتين الوردية والبرتقالية وثورة الأرز، التي شهدتها السنوات الأخيرة، بات الحكام المستبدون مرغمين على الاعتراف بالهزيمة حين يتصدى لهم العدد الكافي من الناس.تُـرى هل يُضطر أهل أوكرانيا إلى تكرار الثورة البرتقالية بالاحتشاد مرة أخرى بالملايين لإرغام يانوكوفيتش (الذي أدين مرتين بارتكاب أعمال عنف قبل التحاقه بعالم السياسية) على تغيير مساره؟ ثمة شخص ربما يكون قادراً على إرغام يانوكوفيتش على الارتداد إلى القواعد الديموقراطية، وبالتالي تنتفي الحاجة إلى مثل هذه الاحتجاجات وهو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. مما لا شك فيه أن مصالح روسيا الوطنية تملي عليها منع الدولة التي تقع إلى جوارها مباشرة من الانزلاق إلى الفوضى.إلا أن تصور بوتين لما يشكل مصلحة روسيا الوطنية يجعل هذا النوع من التدخل أمراً مستبعداً. ذلك أن الدولة المجاورة الضعيفة هي دولة يستطيع الكرملين فرض إرادته عليها. فما الذي يمنع إذاً من توسيع سلطان روسيا بترك أوكرانيا تنزلق إلى الاحتجاجات والفوضى ما دامت هذه الحال من شأنها أن تعيد أوكرانيا إلى حظيرة بوتين؟ فضلاً عن ذلك فإن بوتين ذاته لا يدخر وسعاً في تقليم أجنحة العملية الديموقراطية في روسيا، عن طريق انتقاء خليفته وحث محاكمه ولجانه الانتخابية على منع معارضيه من المشاركة السياسية بتوزيع الاتهامات بالخيانة عليهم. والحقيقة أن من يحمل في نفسه مثل هذا الازدراء للحقوق الديموقراطية داخل بلده ليس من المرجح أن يتصدى لنصرتها في الخارج. وكما هو المنتظر من رجل هيئة الاستخبارات والأمن الداخلي السوفييتية السابق هذا، فقد تعود فلاديمير بوتين على اتباع أساليبه الماكرة في التعامل مع أوكرانيا، إلا أنه يخادع نفسه إذا ما تصور أنه بمناصرة يانوكوفيتش قد يتمكن من بسط الهيمنة الروسية على أوكرانيا من جديد. لقد ولت أيام الإمبراطورية ولن تعود على الرغم من ضخامة الثروة التي قد تكدسها روسيا بسبب ارتفاع أسعار النفط والغاز. ولن تتبدد آمال أهل النخبة الروسية ولن يتوقف حنينهم إلى الذكريات الإمبراطورية إلا باحتفاظ أوكرانيا باستقلالها.وعلى هذا فلابد من ممارسة ضغوط أخرى، من جانب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في المقام الأول. في عام 2004 تلكأ كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في التحدث دفاعاً عن الديموقراطيين في أوكرانيا. ولم يستجمع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الشجاعة اللازمة للمطالبة بنتائج انتخابية نزيهة في أوكرانيا إلا حين احتشد الملايين من أهل أوكرانيا العاديين الشجعان في وسط مدينة كييف فتحرك الرأي العام العالمي معهم.أما الدولة التي وقفت إلى جانب أوكرانيا منذ البداية آنذاك، وهي بولندا، فقد أصبحت الآن تشكل مصدراً شديداً لإزعاج الاتحاد الأوروبي، خصوصا ألمانيا، وذلك بسبب السلوك المهووس المتشكك من جانب زعمائها. وهذا يعني أن نفوذ البولنديين في مجالس الاتحاد الأوروبي المختلفة قد تدهور إلى أدنى مستوياته. ولكن من حسن الحظ فإن زعماء أضخم دول أوروبا مختلفون عن زعمائها في عام 2004. فيبدو أن أنجيلا ميركيل، ونيكولاس ساركوزي، وغوردون براون يقدرون بوضوح المشاكل الأمنية التي يتعرض لها الاتحاد من الشرق، وعلى هذا فقد تتوافر لديهم الإرادة للعمل بشكل حاسم الآن، بدلاً من التردد كما فعل أسلافهم حين تأزمت الأمور في أوكرانيا عام 2004.ما لم يُـسْـمَح للمعارضة الديموقراطية في أوكرانيا بالمشاركة في هذه الانتخابات، فمن المحتم أن تنزلق أوكرانيا إلى أزمة جديدة. والحقيقة أن يوليا تيموشينكو، التي نجت من ثلاث محاولات اغتيال، ليست المرأة التي تتخلى عن حقها في الانتخابات بسبب تفاصيل فنية شكلية.على الرغم من اكتساب أهل أوكرانيا العاديين قدراً غير مسبوق من الوعي بحقوقهم بفضل الثورة البرتقالية، فإن هذا وحده لا يكفي لضمان صيانة هذه الحقوق خلال الأسابيع المقبلة. ولكن مما لا شك فيه أن هذا الوعي المكتسب سوف يزيد من صعوبة قمع هؤلاء الناس. أليست هذه هي الغنيمة التي تسعى معركة الديموقراطية إلى الفوز بها؟* نينا خروتشيفا | Nina Khrushcheva ، مدرسة بجامعة نيو سكول في نيويورك، وهي مؤلفة كتاب «كيف نتخيل نابوكوف: روسيا بين الفن والسياسة».«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»