بما أننا على أبواب الانتخابات النيابية، فإن الأسئلة المطروحة هي: ما الضوابط على فساد النواب إن فسدوا؟ وأين هي طروحات «من أين لك هذا»؟ وكيف بالإمكان تفعيل محاربة فساد النواب؟ وماذا عن المرشحين الفاسدين؟ وكيف بالإمكان إيقافهم عند حدهم حتى لا تتحول الانتخابات إلى موسم لإفساد المجتمع كما هو حاصل للأسف، بدلا من أن تكون محطة للبناء والتنمية؟للمحتال «رجل الأعمال» الكوري تونغسون بارك وعمره الآن 71 عاما شهرة كبيرة في الولايات المتحدة، فقد كان نموذجاً للاحتيال المبرمج. ويتمتع الرجل بإبداعات لا تبارى في الاحتيال، وله فيها مواهب متعددة، وإنجازات متميزة. فقد كان بارك هو الشخص الرئيسي في فضيحة النفط مقابل الغذاء إبان فترة حكم النظام العراقي السابق، حيث سعى بارك مع محتالين آخرين إلى رشوة عدد من موظفي الأمم المتحدة، السابقين للتخفيف من إجراءات الحصار الذي كان مفروضاً على نظام صدام حسين منذ عام 1996. وهكذا وقع بارك أخيراً في المصيدة حيث حكمت عليه محكمة أميركية في فبراير 2007 حكماً بالسجن لمدة 5 سنوات بعد أن اعترف باستلامه 2.5 مليون دولار من طارق عزيز آنذاك.
إلا أن الشهرة الذائعة الصيت التي حاز عليها بارك باقتدار لم تكن لهذا السبب، بل كانت لكونه كان محوراً لواحدة من أكبر الفضائح السياسية في أميركا حين قام في منتصف السبعينيات بدفع رشاوى بلغت في مجملها مئات الآلاف من الدولارات للتأثير في شخصيات بارزة ومؤثرة في الكونغرس الأميركي، وقد ذُكِر في ذلك الإطار نواب مهمون مثل رئيس المجلس تيب أونيل وتشارلز رانغل ووليام تمونز وغيرهم، وذلك للتأثير عليهم وإقناعهم بإبقاء الجيش الأميركي في فيتنام. وقد وصلت بعض تلك الرشاوى إلى مبلغ زهيد لا يتجاوز الـ100 دولار، كما كان يقيم لهم الحفلات الصاخبة في ناديه الخاص. كانت تلك فضيحة سياسية كبرى طاحت بها رؤوس، وفرّ بارك بطريقة غريبة ثم عاد مرة أخرى لممارسة نشاطه «التجاري» مروجا هذه المرة لصدام ونظامه حتى تم سجنه أخيرا كما ذكرنا.
وتتكرر حوادث الفساد بين النواب في أميركا كما حدث منذ عدة سنوات إبان التحقيق في ملابسات انهيار شركة إنرون العملاقة ورئيسها كين لاي الذي كان يسمى «صانع الملوك» كون عدد كبير من النواب يحصلون على دعم مالي مباشر منه.
أما في بريطانيا فتدور هذه الأيام رحى فضيحة أخرى تورط بها نائب محافظ هو ديريك كوناواي. والذي قام بتعيين ابنه كباحث في مكتبه بالبرلمان في الوقت الذي كان الابن يدرس بالجامعة حيث استلم ما يزيد على 17 ألف جنيه إسترليني ومبالغ أخرى. وقد قام حزب المحافظين بتجميد عضويته كما أُرغِم على إعلان عدم رغبته في خوض الانتخابات مرة أخرى، كذلك تم اكتشاف منذ سنوات قيام بعض النواب بتقديم أسئلة برلمانية مقابل ألف جنيه إسترليني للسؤال، كما اكتشفت جهات الاختصاص في البرلمان منذ سنوات قيام بعض النواب بالتعاقد مع شركات صناعية وتجارية كمستشارين، وفي الوقت نفسه يصرون على عضوية لجان معينة ذات علاقة مباشرة بمصالح تلك الشركات. وقد أدى ذلك إلى تشكيل لجنة للتحقيق في ذلك الفساد وتقديم التوصيات لكيفية التعامل معه. وفعلا فقد تبنّى مجلس العموم البريطاني أغلبية التوصيات الواردة في تقرير اللورد نولان، وهكذا فإن فساد النواب وربما المرشحين يحدث في كل دول العالم، ولكن المختلف في الأمر هو أن المجتمعات الحية تحرص على كشف الممارسات الفاسدة لممثلي الشعب، ولا تتركهم يمثلون على الشعب. وحيث إننا على أبواب الانتخابات النيابية، فإن الأسئلة المطروحة هي: ما الضوابط على فساد النواب إن فسدوا؟ وأين هي طروحات «من أين لك هذا»؟ وكيف بالإمكان تفعيل محاربة فساد النواب؟ وماذا عن المرشحين الفاسدين؟ وكيف بالإمكان إيقافهم عند حدهم حتى لا تتحول الانتخابات إلى موسم لإفساد المجتمع كما هو حاصل للأسف، بدلا من أن تكون محطة للبناء والتنمية؟