الشيخ سالم مات واقفاً
مزقت آلام تلك القضية وجدان ربّان السفينة وذابت قواه مع ذوبان الأمل في استعادة الأسرى أحياء، واختلط أنينه في المرض بأنات ذوي الأسرى وهم يوارون أحبابهم الثرى، فأصبح ذلك المشهد هو الأخير في كراسي حياة الفقيد الكبير المفعم بالعنفوان والشموخ والإصرار والعمل المصحوب بالأمل.
«من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا» صدق الله العظيم.غادرنا بمهابة تليق بهيبته... وبألم يقارب مكانته... وبشموخ يطاول قامته، غادر هذه الدنيا بعد أن اختزنت سنين سقمه فيض عطاءاته ليكون الغائب الحاضر دائماً، فهو وإن كان طريح الفراش فإنه كان مؤثراً في الأحداث، يطل من محبس مرضه على هموم وطنه وشعبه وينفعل ويتفاعل معها.قبل مطلع الألفية الثالثة التقيت تلفزيونياً المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ سالم صباح السالم ضمن كوكبة من رجالات الكويت وجلت معه في فكره ورؤاه حول شتى القضايا، مستشرفاً غد الكويت في القرن الحادي والعشرين.وكان آنذاك في أوج عطائه وحضوره، فأفاض وتدفق فكراً ورؤى، وتم عرض ذلك اللقاء عام 2000 وتكرر العرض عام 2005 وهذا العام من خلال لقطات في برنامجي (رسائل). لقد رسم رحمه الله خرائط للطرق وكم كنت أتمنى أن الأقدار قد أسعفته ليضعها من مواقع تأثيره المختلفة موضع التنفيذ.أبو باسل يحدثك في الشأن الاقتصادي والتعليمي والأدبي والفني بقدر تمكنه من حديثه في السياسة كواحد من روادها وخبرائها ورموزها، وتجده يهيم حباً في الكويت وهو يتحدث عن واجبات الأبناء نحوها ويردد مقولة والده الأمير «أنا وشعبي كلّبونا جماعة» ويتدفق إنسانية ورقّة وهو يتناول شأن قضيته المعلقة فوق صدره والساكنة حنايا قلبه الكبير (قضية الأسرى) فتسابق دموعه كلماته حين يتحدث في شأنهم، ولقد عايشت تلك الحال قريباً منه حين رافقته في المؤتمر الدولي حول الأسرى الذي عقد في العاصمة البريطانية في أواخر الثمانينيات.بعد أن غادر مسؤولياته الرسمية تفرغ لقضية الأسرى تفرغاً تاماً، فكان الأب والأخ والصديق لذوي الأسرى وربّان سفينتهم التي ما فتئت تمخر عباب العالم بحثاً عن نجدة ونصرة لهم، وهم في غيابات سجون الطاغية العراقي المقبور الذي لم يشأ أن يعيدهم إلى أهليهم إلا حطاماً ورفاتاً، فمزقت آلام تلك القضية وجدان ربان السفينة وذابت قواه مع ذوبان الأمل في استعادة الأسرى أحياء، واختلط أنينه في المرض بأنّات ذوي الأسرى وهم يوارون أحبابهم الثرى، فأصبح ذلك المشهد هو الأخير في كرّاسي حياة الفقيد الكبير المفعم بالعنفوان والشموخ والإصرار والعمل المصحوب بالأمل.الشيخ سالم صباح السالم، رحمه الله تعالى، كان كتيبة من الرجال في رجل وسيظل علامة بارزة ورمزاً متوهجاً من رموز هذا الوطن... عاش كبيراً وعمل كثيراً وتفانى في حب وطنه وشعبه الذي ودّعه باكياً وراضياً بقضاء الله وقدره.وسيسكن في ذاكرة الشعب والوطن بمقدار حبهما ووفائهما بعد أن مات واقفاً كشأن الرجال النماذج.