دعوة ساركوزي لأطراف لبنانية في الموالاة والمعارضة إلى الاجتماع في باريس تدل على الإفلاس والعجز وتدل على أن الإيرانيين والسوريين أصبحوا يمسكون بأزمْة الأمور، وأنهم بالتالي سوف يُمْلون شروطهم التي يريدونها إذا بقي الفرنسيون يتصرفون بهذه الطريقة البلهاء.هي ليست لاءات كلاءات الخرطوم الشهيرة التي أطلقها العرب ردّاً على هزيمة عام 1967 إنها «لنَّات» فقد أطلقها رموز حلف «المعارضة» اللبناني، «حزب الله» وحركة «أمل» والجنرال ميشال عون، في وجه إخوانهم «الأعداء»: لن نذهب إلى جلسة الإقتراع يوم السبت المقبل ولن نُسهِّل عملية الإقتراع ولن نشارك في عملية الانتخاب، وهذا معناه أن الفراغ الرئاسي سيبقى فراغاً وأنه لا معنى لكل أمواج التفاؤل التي غمرت لبنان في أوقات سابقة.
إنه أمر مضحك بالفعل.. فالإقتراح الأخير الذي تقدم به، العاشق على كبرٍ، «الأخ» نيكولاي ساركوزي القاضي بدعوة اثنين من الموالاة هما سعد الحريري ووليد جنبلاط واثنين من المعارضة هما نبيه بري وميشال عون إلى باريس، يدل إما على «الـهَبَل» وإما على الإفلاس... فهؤلاء الأربعة بإمكانهم الإلتقاء في أي لحظة عندما يصبح الحل الممكن جاهزاً إذْ لا حاجة لتجشم مصاعب السفر والذهاب إلى العاصمة الفرنسية وإذْ بإمكان الرئيس الفرنسي أن يأتي بنفسه إلى بيروت أو يرسل وزير خارجيته الجاهز دائماً وأبداً للسفر برنار كوشنير.
إنه أمر مضحك.. وإذا كانت الأُم الرؤوم فرنسا لا تعرف أن القرار ليس بيد لا نبيه بري ولا بيد ميشال عون ولا حتى بيد حلفهما كله، فإنه عليها أن تترك أمور الشرق الأوسط للبريطانيين أو للأميركيين فدروب الشرق الأوسط شائكة ومتعرجة والربط والحل بالنسبة للبنان ليس لأصحابه لا الآن ولا قبل مئة عام، ثم إن هذه الأزمة ليست لبنانية، بل هي أزمة إقليمية يعرفها ويدرك أبعادها حتى أصحاب أنصاف العقول.
إذا أراد «الأخ» ساركوزي أن يدعو من يمتلك قرار «المعارضة» في لبنان فإن عليه أن يدعو الرئيسين بشار الأسد ومحمود أحمدي نجَّاد أو على الأقل وليد المعلم ومنوشهر متقي فالأزمة اللبنانية بدأت واستفحلت على هذا النحو بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 وعلى الرئيس الفرنسي المشغول الآن بأعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة وبصديقته الإيطالية الحسناء أن يراجع هذا القرار جيداً ليعرف ما هي الحكاية وليدرك أن نبيه بري وميشال عون يصح فيهما المثل القائل: «العين بصيرة واليد قصيرة»!!
عندما تعلن «المعارضة» أنها لن تذهب إلى جلسة الإقتراع يوم السبت المقبل وأنها لن تُسهِّل عملية الإقتراع ولن تشارك في عملية الإنتخاب فماذا من الممكن أن يفعل هؤلاء الأربعة الذين فكَّر ساركوزي بدعوتهم إلى باريس..؟ إن هذه الدعوة المضحكة تدل على الإفلاس والعجز وتدل على أن الإيرانيين والسوريين أصبحوا يمسكون بأزمْة الأمور، وأنهم بالتالي سوف يُمْلون شروطهم التي يريدونها إذا بقي الفرنسيون يتصرفون بهذه الطريقة البلهاء.. وإذا بقي العرب مرتبكين.. وإذا بقيت أميركا لا تعرف ماذا تفعل.
لن يُنتخب الرئيس اللبناني العتيد لا هذا السبت المقبل ولا بعد ألف سبت إذا لم ينتصر أحد طرفي المعادلة على الطرف الآخر والواضح أن الإيرانيين والسوريين يشعرون أنهم في حالة الهجوم وليس في حالة الدفاع، ولذلك فإنهم سيواصلون هجومهم ولن يقبلوا بأيٍ من الحلول المطروحة مالم يقبضوا الثمن.. والثمن معروف حتى لأهل الصين، ومَن لا يعرفه عليه أن يخرج من هذه اللعبة الشرق أوسطية كلها.
من غير الممكن أن تستطيع «الموالاة» أن تفعل شيئاً مادام المعادلة غدت مكسورة على هذا النحو، وحتى بالنسبة لحلِّ إنتخاب الرئيس الجديد بالأكثرية المطلقة (أي النصف زائد واحد) الذي كان ممكناً ذات يوم، فإنه لم يعد ممكناً الآن.. والسبب أنه ليس بإمكان أي رئيس يجري إنتخابه بهذه الطريقة الوصول إلى قصر بعبدا حتى وإن كان سعيد الحظ هو قائد الجيش الجنرال ميشال سليمان فصواريخ «حزب الله» جاهزة ومسلسل الإغتيالات، الذي لم يتوقف، سيُستأنف في أي لحظة.
* كاتب وسياسي أردني