ذهنية التحريم!

نشر في 10-02-2008 | 00:00
آخر تحديث 10-02-2008 | 00:00
 أ.د. غانم النجار

النظام الدستوري الديموقراطي كل متكامل، وتأتي حرية التعبير كواحدة من أعمدة ذلك النظام، أما قانون الكبت ولوائح الرقابة المسبقة، ومصادرة الحريات، ومن ورائها ذهنية التحريم، فليست إلا معاول هدم تنخر في جسد المجتمع وتقضم ما تبقى من الدستور

الحريات العامة والخاصة، بما فيها حرية التعبير، هي من ضمن مكونات أي مجتمع ديموقراطي وأي مسعى أو محاولة لتقييد تلك الحريات، فهي ليست إلا خطوات تقود المجتمع إلى مزيد من التفكك، والشعور بالتهميش، ومكامن ضعفه، وانحرافاته في العلن من أن يدس رأسه في الرمال كالنعامة، رأسها في الرمال وجسدها مكشوف على رؤوس الأشهاد. صحيح أن هناك ضوابط يفترض وجودها ولكن تلك الضوابط يجب أن تكون في حدودها الدنيا، وألا يتم تخويل السلطة التنفيذية صلاحيات التفسير والمغالاة فيه.

وقد جرّبت الكويت نموذج «الرقابة المسبقة» فلم تجلب لنا إلا المآسي، وأساءت للبلاد والعباد، كما أنها أساءت لعلاقات الكويت مع دول العالم كما أشرنا بأدلة حية في مقالات سابقة، ويكفي أن نتذكر جيداً أن الغزو العراقي للكويت قد حدث في غياب الديموقراطية وصحافة الرقابة المسبقة، ومع أن ذلك النموذج قد تم إلغاؤه في ديسمبر 1991، فإن العقلية ذاتها ظلت «معششة»، وإن اتجهت إلى الكتاب فقضت على معرض الكتاب نهائياً حتى أصبحت معارض الكتب في دول الخليج بما في ذلك المملكة العربية السعودية أكثر انفتاحاً.

ومع أن قانون المطبوعات الحالي قد حقق بعض التقدم ككسر احتكار الصحف وحق التقاضي، فإن النمطية الرقابية وذهنية التحريم ظلت سائدة ومسيطرة في نصوص القانون، وها نحن نشهد مجدداً لوائح تنظيمية تمارس رقابة مسبقة لا علاقة لها بالقوانين ولا الدستور والحجة دوماً جاهزة، فهي إما الحفاظ على أمن المجتمع، وإما الحرص على تماسكه، وإما الحفاظ على قيمه وثوابته ومرجعيته، إلى آخر القائمة المعروفة التي يبدو أنها في أغلبها حق يراد به باطل.

وربما يأتي في السياق نفسه الضغوط التي يتعرض لها كتاب أو ناشطون سياسيون لمجرد تعبيرهم عن آرائهم كان آخرها الادعاء بالقذف الذي تم توجيهه إلى الأخ محمد عبدالقادر الجاسم على خلفية كتابته مقالة نشرها على موقعه في 29 ديسمبر 2007. ومن الناحية الموضوعية البحتة وبعد اطلاعي على المقالة التي لم تكن إلا عبارة عن نصائح موجهة إلى سمو ولي العهد، فقد أثار الموضوع برمته استغرابي فلم يذكر المقال أسماءً بعينها إلا لسمو ولي العهد وأولاده، وجاء ذكرهم بصورة إيجابية... وأتمنى ألا يكون تحريك الدعوى في السياق نفسه.

إن النظام الدستوري الديموقراطي كل متكامل، وتأتي حرية التعبير كواحدة من أعمدة ذلك النظام، أما قانون الكبت ولوائح الرقابة المسبقة، ومصادرة الحريات، ومن ورائها ذهنية التحريم، فليست إلا معاول هدم تنخر في جسد المجتمع وتقضم ما تبقى من الدستور، حتى إن ظن من ظن أنه يفعل العكس.

back to top