خطوتان متلازمتان اتخذتهما فرنسا في الساعات الأخيرة: توقع الرئيس نيكولا ساركوزي بعد اختتام قمة «مجموعة الثماني» معاودة الاتصالات الدبلوماسية الفرنسية ـ السورية، ودعوة وزير الخارجية برنار كوشنير، ممثلي الفرقاء اللبنانيين إلى طاولة حوار في باريس، نهاية هذا الشهر. ظاهراً تبدو الخطوتان متلازمتين، لإنجاح حوار لبناني ـ لبناني، يفترض سياقاً إيجابياً في العلاقة الدولية مع دمشق، وقد برهنت أحداث السنتين المنصرمتين ونتائج جولتي الحوار الوطني والتشاور في السنة الفائتة، إخفاقهما خارج هذا السياق. لكن الخطوتين تبدوان ضمناً متعارضتين مع السياسة الفرنسية، التي اتُبعت في السنوات الثلاث الأخيرة من ولاية سلف ساركوزي، الرئيس جاك شيراك، لم تنقطع العلاقات الفرنسية ـ السورية، وظل السفير الفرنسي في دمشق

Ad

جان فرنسوا جيرو، يلازم منصبه منذ 14 أيلول 2002، إلا أن شيراك قطع كل اتصال وحوار مباشر وغير مباشر، مع نظام الرئيس بشار الأسد، ولم يتردّد مسؤولون فرنسيون في إدارة شيراك في الأسابيع القليلة التالية لصدور القرار 1701 في توسيع نطاق تفسيره بحيث تنتشر القوة الدولية عند الحدود اللبنانية ـ السورية قبل أن تتدارك باريس موقفها هذا. في المقابل رغم وفرة المواقف الفرنسية المؤيدة لجولات الحوار، التي أجراها الفرقاء اللبنانيون وتأكيد دعمها، فإن الرئيس الفرنسي السابق تبنى مواقف قوى 14 آذار ، وأضحى بطريقة ما طرفاً غير مباشر في الخلاف الداخلي اللبناني - اللبناني.

أما ترجمة خطوة كوشنير، فهو ان بيروت تنتظر الاثنين وصول دبلوماسي فرنسي مخضرم في مهمة عاجلة، ترتبط بوضع اقتراح وزير الخارجية موضع التنفيذ، هو جان كلود كوسران.

والرجل طويل الباع في الدبلوماسية وشؤون الشرق الأوسط، مذ كان مديراً لمكتب وزير الخارجية كلود شيسون في عهد الرئيس فرنسوا ميتران، ثم أضحى مستشاراً لرئيس الوزراء بيار بيريغوفوا، قبل أن يعيّن سفيراً لبلاده في دمشق، ثم في أنقرة. ثم عُيّن رئيساً لجهاز الاستخبارات الخارجية. عام 2002، أبعده شيراك وعيّنه سفيراً في القاهرة. وشغل في فترات متفاوتة وظيفة قنصل في القدس منتصف الثمانينيات. كذلك عمل في طهران، وبسبب خبرته الواسعة بالشؤون الشرق أوسطية والإيرانية، أوفدته باريس إلى طهران في يوليو الماضي للعمل على ترتيب لقاء، يُعقد في بيروت بين وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي، ونظيره الفرنسي فيليب دوست بلازي، اللذين تصادف وجودهما في العاصمة اللبنانية إبان الحرب الإسرائيلية على لبنان. وقد التقيا في مقر السفارة الإيرانية.

واستناداً إلى معلومات دبلوماسية، فإن كوسران الذي سيمكث في بيروت بضعة أيام، قد عُهِدَ إليه بالملف اللبناني وسبر مشكلاته، بحكم معرفته الوثيقة بالجوانب الإقليمية المتشعبة التأثير فيه، وخصوصاً الجانبين السوري والإيراني. الأمر الذي يعبّر عن حجم استمرار اهتمام الإدارة الفرنسية الجديدة بالوضع اللبناني، ولكن وفق أسلوب عمل مختلف يبدو أكثر انفتاحاً على هذا الوضع، وأكثر استعجالاً للخوض في مبادرات، لم يُقدِم عليها الرئيس السابق، في نطاق رؤية أوسع للتوازنات السياسية اللبنانية. ناهيك عن دلالاتها على إمكان مباشرة حوار فرنسي ـ سوري.