ما وراء تقرير الاستخبارات الأميركي!
يحمل التقرير في طياته معلومة ملغمة ومفخّخة مفادها أن طهران كانت تسعى إلى التسلح النووي، وأنها قد أوقفته في عام 2003! وهو ما أريد منه الإيحاء بأمرين الأول: أن طهران ليست مبرأة تماماً من فكرة السعي إلى التسلّح النووي! والثاني: أن يُبقِي المجتمع الدولي على حشده ضد طهران متماسكاً.
يجادل كثيرون في ما إذا كان تقرير الاستخبارات الأميركي الأخير عن إيران الذي برأها من تهمة حيازة برنامج للتسلح النووي، عبارة عن تراجع حقيقي ونهائي عن مخطط كانت تعد له واشنطن لضرب إيران، أم هو مجرد تراجع تكتيكي يحمل في طياته «خدعة ما» في إطار الحرب الاستخبارية التي لم ولن تنقطع بين الخصمين الاستراتيجيين اللدودين!لاشك في أن التقرير يحمل في جوهره وفي صلبه تراجعاً أكيداً عن مقولة أو فكرة إن إيران تشكل خطراً داهماً! يتهدّد الأمن الدولي والأمنين الأميركي والإسرائيلي، وهي الفكرة التي كانت تبني عليها إدارة بوش وإدارة الكيان الإسرائيلي تحشيدهما وتحريضهما الدوليين ضد طهران لتبرير اللجوء إلى الخيار العسكري الذي كانتا توحيان أنهما بصدد الإقدام عليه في أي لحظة في حال فشلت جهود تجميع إجماع دولي مناسب يجبر طهران على وقف برنامجها النووي، لاسيما عمليات التخصيب المتواصلة.لكن التقرير يحمل في طياته أيضاً معلومة ملغمة ومفخّخة مفادها أن طهران كانت تسعى إلى التسلح النووي في ما سبق من السنوات، وأنها قد أوقفته في عام 2003! وهو ما أريد منه الإيحاء بأمرين الأول: أن طهران ليست مبرأة تماماً من فكرة السعي إلى التسلّح النووي! والثاني وهو أن المطلوب من المجتمع الدولي أن يبقي على حشده ضد طهران متماسكاً حتى لا تعود مرة أخرى إلى سياق ما قبل عام 2003!مما تقدم نستطيع استنتاج مايلي: أولاً: أن فكرة الخيار العسكري ضد طهران التي كانت متحمّسة لها دوائر ضيقة في واشنطن متّصلة بما تبقى من مدرسة المحافظين الجدد قد خسرت الرهان الداخلي كلياً في ضوء انتصار جماعة الخيار الدبلوماسي بزعامة الثنائي كونداليسا رايس وروبرت غيتس، اللذين يتعكّزان على نصائح لجنة بيكر–هاميلتون لمعالجة مختلف الملفات التي تورطت بها واشنطن، وفي طليعتها الملفان الأمني العراقي والنووي الإيراني لاسيما في ضوء الخلاصة التي توصلا إليها بالأكلاف الباهظة جداً وغير القابلة لتصور الخيار العسكري ضد طهران بعد تجربة «البروفة» المصغرة للحرب على لبنان في الصيف الماضي!ثانيا: أن المطلوب الآن لما تبقى من مدة الرئاسة الأميركية هو إبقاء النار «حامية» حول طهران ولكن بدرجة توتر منخفض، من خلال استمرار الضغوط المكثفة من حولها وإبقاء سيف العقوبات المتصاعدة ضدها مسلتاً أيضا، ليس بهدف إخافة طهران بقدر ما هو تجميد موازين القوى الدولية والإقليمية غير المشجعة على اللجوء إلى الخيار العسكري ضدها كما هي، حتى لا تخسر واشنطن المزيد من المواقع ومساحات النفوذ والتأثير في ظل التراجعات والانتكاسات الاستراتيجية التي تصيب السياسات الأميركية في العالم منذ أن تعثّر مشروعها العام في محطة العراق وغرقت سفينة المحافظين الجدد في مستنقعه!ثالثاً: إبقاء ماكينة إسرائيل الدعائية والتهويلية ضد طهران نشيطة ومفتوحة على آفاق التصعيد الممكنة متى ما تطلبت الحاجة، أو تغيرت موازين القوى الإقليمية، أو الدولية الآنفة الذكر، لمصلحة التلويح بالخيار العسكري مجدداً، ولكن حسب حاجة تل أبيب وليس واشنطن!رابعاً: استعادة بعض المصداقية الأميركية التي وصلت إلى الحضيض بعد سيناريو أسلحة الدمار الشامل العراقي ولو بمفعول رجعي، في حال انتهى عهد بوش ولم تُقدِم الإدارة الأميركية على أي خطوة عسكرية ولو محدودة ضد طهران من خلال الإيحاء بتعلم الإدارة الدرس اللازم من العراق واستبداله بالأسلوب الأنجع الجديد الذي جمع بين ممارسة الضغوط المكثفة وإبقاء سيف الخيار العسكري مسلتاً من دون استعماله* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني