وجهة نظر : شرم برم... أحلام يقظة لذيذة!

نشر في 12-04-2008 | 00:00
آخر تحديث 12-04-2008 | 00:00
 محمد بدر الدين يتابع المخرج رأفت الميهي إنجاز مشروعه السينمائي في فيلمه الأحدث «شرم برم» من تصوير سمير بهزان وبطولة أحمد رزق، بسمة، أحمد فؤاد سليم، طارق عبد العزيز وغيرهم.

تتراوح أفلام مشروع الميهي السينمائي بين مستوى عال من النضج مثل «الأفوكاتو» و{سمك لبن تمر هندي» ومستويات أكثر تواضعاً مثل «تفاحة» والفيلم الأخير «شرم برم»، لكنه تغلب عليها إجمالاً الروح الساخرة، وهي سخرية عميقة ممتزجة بحرارة كبيرة، فروح المرح والضحك في أفلام سينما الميهي هي أقرب إلى تجسيد معنى: «شر البلية ما يضحك».

تدور الأحداث حول بطل الفيلم الشاب عبده (أحمد رزق) الذي تحاصره ظروف المجتمع الراهنة القاسية، مادياً ومعنوياً ويتعثر في دراسته في كلية الطب التي لا يحبها وتطول فيها سنواته لأن عمه (أحمد فؤاد سليم) يجبره عليها، فهو يصرف عليه وعلى دراسته راضياً.

حكمة ذلك العم وإصراره على تخرج ابن أخيه في الطب، مهما كلفه ذلك من مصاريف، أمر يشرحه في مشهد مبكر في الفيلم، متسلحاً بكونه رجلاً بعيد النظر. كل إنسان مآله إلى الشيخوخة عندما يمضي به قطار العمر، لكن تكاليف العلاج في هذه الأيام تتعدى احتمال أي مواطن، وتكاليف الأدوية والمستشفيات الاستثمارية هي أرقام فلكية، لذلك أتته الفكرة، أنه مهما صرف على ابن أخيه عبده من مبالغ ليصبح بعد ذلك طبيباً في العائلة ومقيماً على مقربة منه، فإن تلك المبالغ كلها لن تذكر، بأي حساب أو مقياس، إذا ما قورنت بالمطلوب لقاء علاج الأمراض في زمن قاسٍ مرتفع الأعباء فادح الغلاء!

وعلى الرغم من حجج العم لا يقتنع عبده بها، خصوصا أن سعادته الحقة تكمن في جلب الابتسام والهناء للأطفال، سواء في مشروع حضانة أو حتى كمضحك «بلياتشو» في سيرك.

عندما يهرب للعمل في فندق في أحد المنتجعات، يتلقى رسالة تنبئه بوفاة العم، لكن المفاجأة تكون حين يعود إلى البيت، الذي كان يعيش فيه عمه والمتّسم دائماً بالإهمال والفوضى، ويجده أنه تحوّل إلى بيت أنيق استُبدل أساسه بآخر في منتهى الجمال، فيه حسناوات ثلاث يخبرنه أنهن بنات عمه، إحداهن زينب (بسمة) وهي مصرية، وأخرى مغربية وثالثة يابانية.

كان الرجل يتزوج في أكثر من مكان، وها هن، الفاتنات الثلاث يوفرن له في البيت حياة كاملة من الرفاهية والسعادة، ويعرضن عليه الزواج بل وينجبن منه، لكن المفاجأة الكبرى له وللجمهور، أنهن لسن من الإنس بل من الجن أو العفاريت.

ومع صدمته الهائلة وذهوله وعدم تصديقه في البداية، يتقبل الحقائق الجديدة تدريجياً ويتكيّف معها. ويرسم الميهي حياة عادية، متلاحقة الصور والمشاهد، تجسّدها كاميرا المصوّر المقتدر سمير بهزان. إنه «فانتازيا» أخرى، على غرار ما رأينا سابقاً من عجائب وغرائب في مختلف أفلام مشروعه السينمائي الخاص: «سمك لبن تمر هندي»، «السادة الرجال»، «سيداتي آنساتي»، «ميت فل»، «عشان ربنا يحبك»...

أما صديقاه، وقد تجاوزا الذهول والصدمة بدورهما، وإن كان لا يرى أحد الفتيات إلا «عبده» وحده، تطلعا إلى حياة هانئة مماثلة، وأخذا يتأهبان لمثل ذلك الحلم والحياة المدهشة..

نعم كأنه حلم ، مرّ به الشاب وجسّده الميهي، وبات الواقع الحقيقي مريراً وكابوسياً، إلى حد أن «التخلص منه»، على الأقل راهناً، بات متعذراً. كذلك لم يعد متاحاً «التخفيف منه»، إلا عن طريق كهذا، أي تخيّل أن «حلماً جميلاً» يمكن أن يأتي وينقذه.

الحياة الهانئة المدهشة، تنتهي في نهاية الفيلم بطبيعة الحال، وتصعد الفتيات الثلاث مع أطفالهن، والشاب يناديهن، بينما هن يحلقن في الفضاء بعيداً جداً.

يعتبر ذلك أحد «تجليات» مشروع الميهي ورؤيته، ويؤكد عالمه ويجسد طريقته ونظرته مجدداً.

ربما احتاج الفيلم إلى إنضاج أكبر، وأن تأخذ تجربة «شرم برم» فرصة أكبر للتأمل والتنقيح والمراجعة في التنفيذ وحتى في السيناريو والمعالجة، لكنها تظل جزءاً أصيلاً من تجربة الميهي السينمائية على الرغم من التواضع أو حتى التسرع، الذي اتسم به فيلم أو حلم «شرم برم»!

back to top