المطبوع الثقافي الحكومي هل نجح بفعل المال؟ الأنظمة السياسية العربية تحرص على بعض الأنشطة الثقافية في إطار برنامج العلاقات العامة

نشر في 19-10-2007 | 00:00
آخر تحديث 19-10-2007 | 00:00

رغم النجاح الكبير للمطبوعات الأدبية والثقافية الكويتية الموجهة أساسا إلى الخارج يبقى السؤال المهم: ما المردود الثقافي لتلك المطبوعات الممولة بالكامل من الدولة على الساحة المحلية؟

لماذا استمر نجاح العديد من المطبوعات التي رعتها الدولة إداريا وماليا مع بداية النهضة الحقيقية للمناخ الثقافي في خمسينيات القرن الماضي؟ وهل كانت مجلات العربي والمسرح العالمي وعالم المعرفة وعالم الفكر أدوات «علاقات عامة» واستكمالا للشكل المؤسسي لدولة حديثة النشأة؟ أم ان وراء تلك المطبوعات الناجحة حتى يومنا هذا إرثا وبنية تحتية لم يكن المال هو عصبها الأوحد؟

يكشف رصد الجو الثقافي الذي عاشته الكويت قبل صدور تلك المطبوعات حركة مفعمة بالنشاط والعمل الدؤوب قادتها فعاليات شعبية ذات تأثير كبير بدءا بافتتاح المدرسة المباركية في 22 ديسمبر 1911، فالأحمدية عام 1922، والمكتبة الأهلية في العام نفسه، والنادي الأدبي عام 1924 وصدور مجلة الكويت لصاحبها عبدالعزيز الرشيد 1928، وتأسيس مجلس المعارف عام 1936، ثم صدور مجلة كاظمة الأدبية عام 1948، وانطلاق الإذاعة الكويتية عام 1951، حتى عام الاستقلال الذي تلاه إصدار سلسلة من المجلات الثقافية والأدبية التي لا يزال نجمها يلمع في سماء الأقطار العربية.

ويختلف أهل الثقافة والأدب والعاملون في مجال النشر والطباعة بشأن سؤالنا الذي طرحناه بدءا: هل ساهم المال ودعم الدولة في نجاح تلك المطبوعات وهل كانت ضمن مشروع «العلاقات العامة» لإبراز الدولة الحديثة النشوء أم ان الأمر مختلف تماما بما يعني أن الكويت ومنذ عقود ما قبل الاستقلال كانت بيئة مشجعة للثقافة والمثقفين؟

استطلعنا رأي الأديب الدكتور سليمان الشطي في ذلك الذي تطابق مع رأي الشاعر والأديب د.خليفة الوقيان اللذين أيدا فكرة المناخ الثقافي المواتي لحركة إصدار المطبوعات الحكومية، بينما كان للناشر والكاتب الصحفي أحمد الديين، رأي مخالف إذ أكد دور المال الحكومي ضمن مشروع العلاقات العامة للنظام السياسي الذي تبلور بشكله الدستوري في بداية ستينيات القرن الماضي.

بداية قال د.الوقيان إن الكويت لم تكن البلد الخليجي الوحيد الذي صدرت عنه مجلات ناجحة بدءا من الخمسينيات، فمعظم دول الخليج العربي صدرت عنها مجلات ثرية في مادتها، ولم يكن صدورها في الخمسينيات من القرن العشرين، بل كان منذ العقود الأولى للقرن المنصرم، فمجلة الكويت للشيخ عبدالعزيز الرشيد صدرت في عام 1928 وهناك مجلات مماثلة في السعودية والبحرين وعمان، وعن سبب استمرار عملية النشر إلى يومنا هذا بنجاح وبمزيد من الدوريات مثل عالم المعرفة وعالم الفكر والمسرح العالمي وغيرها قال يدل استمرار المطبوعات الدورية في الصدور على وجود مناخ ثقافي، وبنية ثقافية تحتية إذا صح التعبير، وقد عرفت الكويت المؤسسات الاجتماعية والثقافية والأهلية منذ عام 1913، وعقّب على مسألة دور التمويل الحكومي بقوله «لا يستطيع أحد أن ينكر إسهام الامكانات المالية في تسهيل تمويل المشاريع الثقافية غير أن كثيرا من المؤسسات والمشروعات الثقافية في الكويت وجدت قبل أن تتوافر للدولة أو للحكومة الإمكانات المالية الحالية، أي قبل ظهور النفط، فإذا كانت أول شحنة للنفط الكويتي قد صدرت في عام 1946 فقد سبق ذلك التاريخ إنشاء مؤسسات ثقافية أهلية عديدة وصدور كثير من المطبوعات، فقد انشئت الجمعية الخيرية العربية في عام 1913 وتبرع المواطنون بكتب كثيرة لمكتبة تلك الجمعية كما افتتحت مكتبة أخرى هي المكتبة الأهلية في عام 1922 وأقيم النادي الأدبي في عام 1924 كذلك فقد صدرت مجلة البعثة في عام 1946 ومجلة كاظمة في عام 1948... إلخ.

وهكذا يتبين أن المشروعات الثقافية قامت بادئ الأمر بجهود المواطنين من تجار ومثقفين وفي فترة لاحقة وبعد توافر الإمكانات المالية أسهمت الحكومة في تمويل المشروعات الثقافية.

الأديب د.سليمان الشطي بدوره أكد على أن التوجه إلى النشاط الثقافي وإصدار المجلات الدورية في الكويت يعتمد أساسا على إرث ثقافي كان سابقا على هذه الحقبة، وقد تبلور ونشط مع مطلع القرن العشرين فكان ثمرته الناضجة صدور مجلة الكويت لعبدالعزيز الرشيد وفي أربعينيات القرن احتدم هذا النشاط على يد نخبة من مثقفي المرحلة وطلائع المبعوثين إلى الخارج للدراسة فكان نشاط الخمسينيات وما أعقبها قائما على أيدي هؤلاء الذين تولوا قيادة المجتمع ومؤسسات الدولة فأشرفوا عليها مستكملين مشروعهم الذي كانوا قد فكروا فيه وبدأو تنفيذه.

ويقف خلف هذا النشاط وعي سياسي واجتماعي يتطلع إلى تغيير ونقل المجتمع سياسيا واجتماعيا إلى الأمام استفادة من الطفرة الاقتصادية، ويضيف د.الشطي لم يكن مرد النجاح فقط إلى الرغبة في إصدار المجلات استكمالا لشكل خارجي، ولكنه يعود إلى طبيعة المشروع الحضاري والثقافي الذي كان يحمله مجموعة من الرواد الذين كانت لهم رؤية متطورة تنويرية تعتمد منهج العقل والتفكير والانفتاح والأخذ بمعطيات الحضارة واستشراف المستقبل، وقد دفع هؤلاء الرواد ثمنا باهظا في سبيل مواجهة التخلف والتسلط والرغبة في إبقاء الأمور على ما هي عليه، فلم يكن الطريق بساطا محفوفا بالورد، وكانت ثمرة هذا التوجه الواعي أن مشروعات هذه الدوريات التي تم طرحها باتت ناضجة متقدمة خطوات على الوسط المحيط، لذا كانت هذه المشروعات تمثل حلما يفاجئ الأوساط الثقافية المحلية والعربية فمشروعات مثل: العربي 1958، المسرح العالمي 1969، عالم الفكر 1970، عالم المعرفة 1978 لم تولد إلا لأن خلفها عقولا واعية تفكر وتخطط وتستشرف المستقبل، وكان هذا متوفرا في مجتمع ذي نزعة منفتحة لا يرهب أو يتخوف الجديد ولا يتأبى الاستفادة من كل الطاقات سواء كانت محلية أو عربية لإيمانه بمشروعه وتوجهاته التي تتجاوز المحلية إلى الدائرة الأوسع والأشمل: العربية من دون أن تكون وراءها أهداف دعائية تخرجها عن طبيعتها الحيادية وهدفها العلمي والتثقيفي لهذا استمرت هذه المشروعات والمطبوعات ناجحة مقبولة لأن الأرضية التي تقف عليها سليمة وصلبة تعتمد على الحيادية والعلمية والأفق المفتوح على مدى واسع يمثل ثقافة أمة تحتضنها اللغة العربية.

أما عن مساهمة الإمكانات المالية الكبيرة في تسهيل عملية التمويل فيؤكد د.الشطي أن هذا ليس السبب الذي يقف وراء نجاح هذه المجلات فالمال يكفل لها الصدور ولكن لا يحقق لها النجاح والقبول فثمة دول عربية تفوق أو تساوي الكويت في الإمكانات المالية وبعضها يملك طاقات كثيرة وأصدرت مطبوعات لكنها لم تحقق ربع ما حققته الإصدارات الكويتية، وما حقق لها النجاح هو طبيعة مشروعها الذي أشرنا إليه في ما سبق، واستطيع القول إن ميزانية المشروعات الكويتية ضئيلة جدا إذا قيست بما تصرفه وصرفته دول أخرى على قطاع الثقافة ولكن هذه الميزانية البسيطة كانت تدار بطريقة عملية واقتصادية فلا تحمل المشروع عمالة زائدة ويكفي الإشارة إلى ان سلسلة عالم المعرفة عندما بدأت واستمرت سنوات طويلة كان يتابع إصدارها نفر قليل تغطيه اصابع اليد الواحدة وكان الاعتماد في الإصدار على المستشارين من خارج المجلس، وكان البعض يظن أن وراءها جيشا من الموظفين، وهناك مسرحيات عالمية كان يتابعها طوال السنوات الأولى من إصدارها فقط المشرف المرحوم الشاعر أحمد العدواني ومعه المستشار الفني المرحوم د.محمد اسماعيل موافي وموظفة واحدة هي السيدة وسمية الولايتي فقط تتابع المراسلات والمطبعة ومثلها عالم الفكر وقس على هذا بقية المطبوعات، أبدا لم تكن الوفرة المالية السبب الرئيسي وراء نجاح المطبوعات الثقافية الكويتية.

رأي الناشر والكاتب الصحفي الشهير أحمد الديين يأخذ منحى مغايرا ويعتمد كشف الهدف من وراء إصدار الأنظمة السياسية لمطبوعات تحمل مشاريع ثقافية موزونة وممولة بالكامل من مالية الدولة فهو يؤكد بداية أن نموذج المطبوعة الحكومية لا يقتصر فقط على الوضع في الكويت بل في معظم الأنظمة السياسية العربية فهناك «المعرفة» السورية وروايات «الهلال» المصرية، و«الفيصل» السعودية، و«نزوى» العمانية، و«الرافد» الإماراتية، و«البحرين الثقافية» و«الدوحة» القطرية، وهكذا... ويرجع استمرار هذه المطبوعات بالدرجة الأولى إلى الدعم الحكومي، بينما يرجع نشوؤها إلى بعدين أساسيين: أولا لأنه جزء من مشروع العلاقات العامة للنظام وثانيا لأنها جاءت بمبادرة من مجموعة من المثقفين وفي ظروف مواتية يقترحون فيها مشروعا يأخذ في التطور، ولا ينكر دور الشاعر أحمد السقاف وبدر خالد البدر، وعبدالعزيز حسين، وأحمد العدواني، والطاقات العربية الأخرى مثل أحمد زكي وأحمد بهاء الدين في النهوض بمشاريع النشر، ويدلل الديين على أهمية الدعم الحكومي بأفول نجم العديد من المجلات والدوريات الأدبية الرصينة مثل «الآداب» لسهيل أدريس، و«دراسات عربية» التي تصدر في لبنان حيث استكتبت عمالقة وأساطين الأدب العربي بداية الخمسينيات، فأين هذه المجلات اليوم؟!

ويضيف الديين أن ارتباط حركة النشر بظروف نظام سياسي معين يجعل منها حركة غير مستقرة رهنا بتطورات نمو هذا النظام أو ذاك، ففي زمن صعود النظام الناصري وتحديدا في فترة توافقه مع اليسار سمح للأخير بإصدار مجلته الفكرية «الطليعة» المصرية من خلال مؤسسة الأهرام وعندما جاء السادات إلى سدة الحكم تغيرت الأحوال وتبدلت.

ويؤكد الديين على أن المطبوعات الحكومية المدعومة لم تساهم في تطوير الحياة الثقافية في الكويت إذ إنها موجهة في الأساس إلى الخارج وجل الاسهامات فيها عربية وليست محلية ولذلك فإن الحديث عن العائد الثقافي للمطبوعات الأدبية والثقافية الحكومية حديث يحتاج إلى درس وتمحيص.

back to top