Ad

نحن اليوم بحاجة إلى الرفق أكثر من السابق في المحاورة مع الآخر، وإذا كان المسلمون -ساسة وعلماء دين- يسعون جاهدين إلى مطالبة المجتمع الدولي من أجل الدعوة إلى احترام «الحريات الدينية والرموز الدينية ومنع الإساءة إليها» عبر المؤتمرات والمحافل الدولية، فكيف يجوز لنا أن نسيء إلى مقدسات الآخر؟

استكمالا لما جاء في مقال الأمس فإن هناك ملاحظات أخرى هي:

3 - الاستشهاد بـ«لا يجتمع دينان في جزيرة العرب» لا يفيد منع الكنائس في قطر لأن جمهور الفقهاء يرون أن المقصود به «الحجاز» ومكة والمدينة بالذات، بدليل بقاء المعابد في اليمن ونجران وتيماء وعلى مر التاريخ الإسلامي لم ينقطع وجود أتباع الأديان السماوية في الجزيرة، وهنا كلام نفيس للشيخ عبدالمحسن العبيكان في تفسير هذا الحديث. يقول:

أ- المنطقة التي أوصى الرسول بإخراج المشركين منها هي المنطقة القريبة من الحرمين الشريفين، لقدسيّتهما ولا معنى لإدخال منطقة بعيدة كالمنطقة الشرقية.

ب- المخاطب بهذه الوصية هو «ولي الأمر» بدليل أن أبا بكر لم يخرج اليهود، ولم يطالبه الصحابة به، فلا يجوز لأفراد الرعية التدخل في ما هو من اختصاص ولاة الأمر.

ج- إن الإخراج منوط بالمصلحة كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية بدليل أن الرسول لم يخرجهم بل عاملهم بنصف خراج خيبر واستمروا حتى عهد عمر، حيث أخرجهم لعدم الحاجة إليهم، وأضيف هنا أن عمر رضي الله عنه ما أخرجهم إلا بعد عدوانهم على ابنه عبدالله عندما ذهب إلى خيبر ليتفقد أمواله 20 هجرية. وكان القصد تأمين المعسكر الإسلامي خصوصاً منطقة الحجاز التي كانت تشكل قلب العالم الإسلامي وكان المسلمون يواجهون الأعداء من الداخل والخارج.

وكان ذلك بمنزلة إجراء استثنائي أشبه بحالة الطوارئ لضرورات أمنية لا دينية. أي أن ذلك من باب «السياسة الشرعية» الموكولة بولي الأمر.

4 - يعلّل الكاتب سماح الغرب للمسلمين بالمساجد بأنهم «مواطنون» وهذا حقهم، وهذا غير صحيح لأن الغرب يعترف بحرية العقيدة والعبادة ودار العبادة للناس كافة باعتبارها من «حقوق الإنسان» لا«حقوق المواطنة» هم يرون أنها حق أساسي لأي إنسان بغض النظر عن جنسيته. في ألمانيا الآن 159 مسجداً و184 قيد البناء، وفي بلجيكا 300 مسجد، أما بريطانيا ففيها 1500 مسجد، وفي مدينة «مانهايم» الألمانية على «الراين» ترتفع مئذنة أكبر المساجد الألمانية بعد أن حل محل الكنيسة، ولا عقبات أمام المسلمين في بناء المساجد ووجود المتطرفين والنازيين المعارضين أمر حاصل في كل المجتمعات، لكن السلطات الرسمية ملتزمة بالتشريع الذي يكفل حرية العبادة وإقامة بيوتها. وأما كونك -لم تسمع بأن «دولة أوروبية بنت مسجداً» فالمعروف أن أوروبا تعترف بالمساجد رسمياً وبناء عليه تحصل المساجد على الدعم المالي مثل بقية مؤسسسات العبادة الأخرى.

وبلجيكا اعترفت أخيرا بالمساجد ووفرت ميزانية 250 إماماً... وأود أن أضيف إلى معلومات الكاتب أن المسلمين في أوروبا لهم حقوق وامتيازات لا يظفر المسلمون بنصفها في مجتمعاتهم الإسلامية الأصلية، ولعلمك -أيضاً- لا عقبات هناك أمام انتشار الدعوة، فالإسلام هو الأكثر نمواً إلى الصعيد الأوروبي... فماذا تريد أخي الكاتب بعد؟!

وبمناسبة اعتراضك على حق 100 ألف مسيحي في كنسية بحجة أنهم غير مواطنين... هل لو كانوا مواطنين يزول اعتراضك؟ إذن ماذا تقول في الحديث «لا يجتمع دينان...»؟

5 - أخي الكريم نحن في زمن أحوج ما نكون فيه لنصرة ديننا ونبينا وقرآننا، خصوصاً أننا أمام حملات مغرضة وإساءات متعمدة وجهالات منتشرة، ونصرة الدين لا تكون إلا بالحوار بالحسنى أولاً، وبيان الوجه المشرق والإنساني والسمح لهذا الدين العالمي، ثانيا: نحن اليوم بحاجة إلى رفق أكثر من السابق في المحاورة مع الآخر.

وإذا كان المسلمون -ساسة وعلماء دين- يسعون جاهدين إلى مطالبة المجتمع الدولي من أجل الدعوة إلى احترام «الحريات الدينية والرموز الدينية ومنع الإساءة إليها» عبر المؤتمرات والمحافل الدولية، فكيف يجوز لنا أن نسيء إلى مقدسات الآخر؟ وكيف تكون لنا المصداقية ونحن نطالب الآخر بما نمنعه عنه؟ هل هذا يتفق مع العدالة والإنصاف؟ ولماذا نقدم للآخر المغرض الذريعة التي يسيء بها إلينا؟ هل هذا من الحكمة والتبصّر؟ ألا تتّفق معي في أن مصيبة الإسلام في بعض أتباعه أكثر من أعدائه؟!

6 - قطر إذ تسمح بالكنائس فذلك عملٌ بقاعدة تحكم العلاقات الدولية قاطبة «المعاملة بالمثل» وهي قاعدة إسلامية -أيضاً- عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، بل هي قاعدة متفرعة من مبدأ «العدالة» الإسلامي فإذا كانت أوروبا والعالم كله يسمحون لنا بالمساجد والمراكز والمدارس فيكف لا نعاملهم بالمثل؟ ومن أقرب إلى العدل والإنصاف نحن أم هم؟!

7 - قطر حاضنة لمؤتمرات «حوار الأديان» على مدار 7 سنوات استقطبت فيها معظم تلك المؤتمرات فأي مصداقية لنا إذا تنكرنا لحرية العبادة؟ أليست من ضرورات ولوازم حرية العبادة إقامة دار للعبادة؟

8 - قطر -أخي الكريم- مساهم رئيس في منتدى «تحالف الحضارات» وسمو الشيخة موزة أعلنت وقفاً بمبلغ 100 مليون دولار لدعم المبادرة من أجل تعميق الحوار بين الثقافات والأديان، واستحقت إشادات دولية فيكف تستكثر على 100 ألف مسيحي داراً للعبادة؟ هل هذا مسلك يتفق مع تحالف الحضارات؟

9 - وأخيرا أخي الفاضل أرجو ألا تكون متأثراً بما سبق أن أعلنه د. نجيب النعيمي -وزير العدل سابقاً- قبل سنتين لصحيفة مصرية من أن «وجود كنيسة في قطر يشعر القطريين بالإهانة» فهذا التصريح تعصبي وقد رددت عليه في حينه.

لنرحب جميعاً بوجود كنائس في قطر تمارس فيها كل الفرق المسيحية شعائرها، ولنقل جميعاً نعم للكنائس في قطر إعلاء للتسامح الإسلامي وتعميقاً للمشترك الديني والأخلاقي ومظهراً للإخاء الانساني وتحقيقاً للمصالح المشتركة.

* عميد كلية الشريعة السابق في جامعة قطر- بالمشاركة مع «الوطن» القطرية