البدون... رؤية إنسانية 2

نشر في 18-01-2008
آخر تحديث 18-01-2008 | 00:00
 د. محمد لطفـي

الجانب الإنساني في حل قضية البدون هو أولى وأهم الجوانب، ومن خلاله سيتم حل الشقين السياسي والاقتصادي، وتنتهي هذه القضية إلى الأبد، إن شاء الله، ولكن أكثر ما يثير مخاوفي هو ردة فعل البعض التي تميزت للأسف بالعنصرية البغيضة تجاه تصريحات وزير الداخلية وأفعاله.

منذ مقالي الأول عن قضية البدون وأنا أحاول جاهداً متابعة كل ما يكتب تعليقاً حول هذه القضية الإنسانية من مقالات وأخبار، ومازلت أتمنى أن تخصص «الجريدة» صفحة واحدة ولو أسبوعياً تهتم بشؤون البدون وتشمل كل ما يتعلق بهم من أخبار وآراء، وتكون مرجعاً لمن يريد، ولكنه مطلبٌ يبدو صعب التنفيذ.

بعد تولي الشيخ جابر الخالد وزارة الداخلية توالت تصريحاته المتفائلة بشأن هذه القضية، وللحق فقد سارت أفعاله في نفس الاتجاه، وقد صرّح سيادته أن حلّ مشكلة البدون بسيط، وأنه سيسعى جاهداً إلى حلّ هذه القضية، واستبشر الجميع خيراً، وكان السبب الحقيقي في فرح الجميع أن المنطلق الذي اتّخذه الشيخ جابر لحل المشكلة هو منطلق إنساني، فلم ينظر إليها من زاوية سياسية أو اقتصادية كما يحاول تفسيره البعض، بل اتخذ الجانب الإنساني مرتكزاً للحل، وهذا في رأيي –كما ذكرت في مقالي الأول- أفضل السبل الممكنة، فالجانب الإنساني هو أولى وأهم الجوانب، ومن خلاله سيتم حل الشقين السياسي والاقتصادي، وتنتهي هذه القضية إلى الأبد إن شاء الله، ولكن أكثر ما يثير مخاوفي هو ردة فعل البعض التي تميزت للأسف بالعنصرية البغيضة تجاه تصريحات وزير الداخلية وأفعاله، فهم يرفضون كل الحلول والمقترحات مبررين رفضهم بالتكلفة الاقتصادية تارة والتركيبة الاجتماعية تارة أخرى والجنسية السيادية مرة ثالثة، بينما الحقيقة أنهم يرفضون الحل من منطلق عنصري مقيت «مرفوض إنسانياً على الأقل» ولا أدري حقيقة لِمَ يتّخذ البعض هذا الموقف الغريب؟! وأتمنى إن كان صادقا وجريئاً أن يعلن رأيه بوضوح وصراحة ولا يتخفّى وراء أسباب ومبرّرات واهية.

إن فئة غير محددي الجنسية أو ما اصطلح عليه بالبدون هم بشر لهم حقوق الإنسان في كل مكان، وقد قال الله سبحانه وتعالى مخاطباً سيدنا آدم: «إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى» صدق الله العظيم (طه 118-119)، فالمقصود، وكما هو معروف، من «لا تضحى» أي لا تتعرض للشمس، كناية عن وجود المسكن الذي يحميه، ويقول علماء التفسير وأساتذة الاجتماع إنّ ما ذكره الله جلّ شأنه من نعم في حديثه لسيدنا آدم هي حقوق أساسية للفرد تجاه المجتمع الذي يعيش فيه، وتجاه القائمين عليه، وهي أقلّ حقوق للإنسان أياً كان وضعه المادي أو السياسي أو الاجتماعي داخل هذا المجتمع.

وفي النهاية فإن كان المقال الأول قد تسبب في خسارة بعض الأصدقاء، فأتمنّى أن يكسبني الثاني بعض الحكماء، كما أتمنّى ألا يكون هناك ثالث وأن تنتهي هذه المشكلة نهائياً خلال هذا العام لنقول لأنفسنا وللجميع بصدق وحب «كل عام وأنتم بخير».

back to top