الديموقراطية... ليست غاية بحد ذاتها، إنما وسيلة لبناء مجتمع العدالة والمساواة، وتطبيقها بأشكال ونظم متعددة يجعلها محتفظة بمرونتها، واستخدام الديموقراطية كجسر للحوار، يوفر لها «الأكسجين» اللازم لنموها ورعايتها.
أقول ذلك بعد متابعتي، الحدث السياسي والسياحي أيضا، المتمثل بالانتقال السلس للسلطة في لندن، يوم 27 يونيو، من طوني بلير إلى غوردن براون، الذي جعل من داوننغ ستريت مقصداً سياحياً للمرة الأولى هذا الصيف.رئيس وزراء بريطانيا الجديد، غوردن براون، الاسكتلندي الأصل، واللاعب في الميدان الاقتصادي، كما وصفته الصحف الإنكليزية، كوزير سابق للخزانة، أتى محملا بخبرة عشر سنوات في الشأن الداخلي، ومواجها تحديات عدة أبرزها استعادة الثقة بالحكومة أو بناؤها من جديد، وحاملاً الإرث الثقيل بعد الرئيس السابق طوني بلير. وفي بادرة فريدة من نوعها، أتى «براون» بتشكيلة حكومية لافتة للأنظار، وذلك بضمها أول امرأة في تاريخ بريطانيا تترأس وزارة الداخلية، وهي جاكي سميث العضو بمنظمة العفو الدولية. كما جمعت التشكيلة الجديدة الأخوين ميليباند، عين أحدهما وزيراً للخارجية والذي لم يمنعه منصبه كوزير للبيئة في العام الماضي، من دعوة الكيان الإسرائيلي إلى وقف العدوان على لبنان في مثل هذا اليوم، والآخر ميليباند الثاني، وزير للعمل وشؤون البرلمان. ولم تخلُ الصورة الجديدة من الزوج إيد بولز، الذي حل وزيراً للتعليم وحرمه وزيرة للإسكان، وهو الموضوع الذي تناولته البرامج الكوميدية بتعليقاتها الساخرة، ومن يدري لعل جمع الإخوان والأزواج في حكومة حزب العمال يشكل أساساً جدياً للتضامن والعمل الجماعي في القاموس السياسي البريطاني الحديث.ومن الحكومة إلى جلسة مجلس العموم، التي لم تنج من أمطار رعدية لندنية تسللت عبر الأسئلة البرلمانية التي أمطر بها النواب، رئيس الوزراء الجديد، حول إدارة الكوارث وحماية المناطق من السيول والحوادث الإرهابية الأخيرة وغيرها من الأمور.أولويات «براون» كما رسمتها الصحافة البريطانية هي الصحة، والتعليم، والإسكان. أما الصحف العربية، فاختارت له قضية العراق كأولوية، مستندة إلى تصريحاته الأخيرة أثناء زيارته للمنطقة، والتي أشار فيها إلى أخطاء ارتكبت، ويراهن محللون سياسيون أيضا على اتخاذه مساراً وأسلوباً جديداً، تجاه القضايا الخارجية، في ظل مرحلة إرساء القاعدة لولايته الجديدة. ويتوقع مراقبون إطلاق الحكومة الجديدة للعديد من المبادرات، أبرزها تعديل الميثاق الدستوري، وتغيير أسلوب عمل الحكومة، وفي هذا السياق أذكر تناول الصحافة البريطانية لمسمى جديد يطلق على المركزية في اتخاذ القرارات وتجنيبها المرور عبر البرلمان، وهو «حكومة الكراسي الوثيرة» إشارة إلى قرارات اتخذت سابقاً في «داوننغ ستريت» من خلال اجتماعات غير رسمية.وهنا نتساءل، مَن سيسعى لتأمين الولاية الرابعة لحزب العمال عبر الانتخابات المقبلة؟ هل المبادرات المطروحة أم المزاج البريطاني... أم الاثنان معا؟ كلمة أخيرة... في مقال نشرته صحيفة «النهار» اللبنانية للسفير عبدالله بشارة، أشار إلى ضرورة حماية صناديق التنمية من مخاطر «التلوث السياسي» والحفاظ على البعد الإنساني. وأنا بدوري أضم صوتي إلى صوت السفير ومؤرخ الحروب الدبلوماسية الكويتية «أبو المعتز».
مقالات
غوردن براون والمطبات السياسية
17-07-2007