عودة إلى اللعبة الكبرى في كازاخستان
إن هؤلاء الذين يعارضون التقارب الغربي مع كازاخستان يستشهدون بافتقار تلك الدولة إلى الحقوق السياسية وحقوق الإنسان. ولكن رغم أن كازاخستان لم تسلك بعد طريق «الثورات الملونة» نحو الديموقراطية، كما حدث مع جمهوريات ما بعد الاتحاد السوفييتي الأخرى مثل أوكرانيا وجورجيا، فإن تخوفها من الإصلاح أو تقاعسها عنه لا يبرر فرض العزلة عليها.إذ إن الغرب لم يمتنع بأي شكل من الأشكال عن التعامل مع روسيا حيث الحكم الاستبدادي، أو مع الصين حيث الحكم الشيوعي. فضلاً عن ذلك فإن كازاخستان رغم أنها دولة ذات أغلبية مسلمة، إلا أنها نجحت في ترسيخ نظام الحكم ذي الطابع العلماني متعدد الأعراق والأديان الذي يسعى الغرب إلى تشجيعه في أنحاء العالم الإسلامي.
بيد أن الأسباب الرئيسية التي لابد أن تحمل الغرب على عدم اللجوء إلى عزل كازاخستان هي في الواقع أسباب جغرافية إستراتيجية. إذ إن كازاخستان حريصة على بيع نفطها وغازها إلى الغرب في الوقت نفسه الذي يتوق فيه الاتحاد الأوروبي إلى التخلص من اعتماده على الإمدادات الروسية من النفط والغاز. بيد أن نافذة الفرصة المفتوحة أمام عقد شراكة بين الاتحاد الأوروبي وكازاخستان ربما كانت على وشك الانغلاق.كانت الروابط التاريخية التي تجمع بين كازاخستان وروسيا، فضلاً عن قربها الجغرافي من الصين، من الأسباب التي أدت إلى نشوء منافسة شديدة بين هاتين الدولتين في فرض نفوذهما على كازاخستان. ومن الأهمية بمكان أن تنضم أوروبا إلى هذه «اللعبة الكبرى» لفرض نفوذها وجذب التوجهات السياسية الكازاخستانية نحو الغرب.تشير بعض العلامات إلى أن أوروبا قد انتبهت أخيراً إلى الإمكانيات التي تستطيع كازاخستان أن توفرها. والحقيقة أن تطورين أخيرين قد يساعدان في ترسيخ كازاخستان كحليفة للغرب. الأول، انتخاب كازاخستان لتولي الرئاسة الدورية السنوية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في العام 2010.ظلت كازاخستان لأعوام تكرس جهودها من أجل الحصول على هذه الفرصة في مواجهة معارضة شرسة من بريطانيا ودول أخرى في الاتحاد الأوروبي. ويُـنظَر إلى اختيارها لقيادة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا باعتباره مكافأة لسياسة رئيسها نور سلطان نازاباييف في الارتباط بالغرب. وتبدي روسيا تشككاً عميقاً في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا- قرر الكرملين أخيراً تقييد عدد المراقبين من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في الانتخابات الروسية- لذا فإن استضافة كازاخستان لرئاسة المنظمة في المستقبل تشير إلى رغبة الشعب الكازاخستاني في الاقتراب من الغرب، وإلى عدم رهبته من تحدي السادة القدامى في الكرملين.إن سياسة الجوار الأوروبي التي تشكل الإطار الذي تتحرك فيه علاقات الاتحاد الأوروبي بالبلدان التي تجاوره، تشكل الفرصة الأفضل لتعزيز هذه العلاقة على الأمد البعيد. إذ أن تصميم سياسية الجوار الأوروبي يسمح بتشكيل «دائرة من الأصدقاء» حول الاتحاد الأوروبي استناداً إلى المصالح الأمنية المشتركة، والتنمية الاقتصادية، وحكم القانون، واحترام حقوق الإنسان. في الوقت الراهن، يرفض البرلمان الأوروبي فكرة تأهل كازاخستان ذات يوم في المستقبل لعضوية اتفاقية الجوار الأوروبي. إلا أن أوروبا لابد أن تتخلى عن هذه الرؤية الضيقة إن لم تكن تريد أن تنجذب كازاخستان إلى المدار الروسي أو المدار الصيني.إن كازاخستان تُـعَد شريكاً مناسبة لسياسة الجوار الأوروبي من الجوانب كافة. إذ أن الطرف الغربي الجنوبي للبلاد يقع على خط الطول نفسه الذي تقع عليه دول جنوب القوقاز وتركيا، والتي التحقت بالفعل باتفاقية الجوار الأوروبي، أو مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي مثل تركيا. وهذا وحده كفيل بأن يشكل حجة قوية لصالح التحاق كازاخستان باتفاقية الجوار الأوروبي.بطبيعة الحال، هناك بعض المخاوف المتصلة بحرية التعبير والافتقار إلى التنوع الإعلامي، بيد أن الظروف في كازاخستان ليست أسوأ من الظروف على سبيل المثال في أذربيجان، ابنة عمومتها التركية، التي تتمتع بالعضوية الكاملة في اتفاقية الجوار الأوروبي. فضلاً عن ذلك فقد بدأت كازاخستان بالفعل المحادثات مع الاتحاد الأوروبي بشأن القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان.بيد أن التقاليد العلمانية القوية التي ورثتها كازاخستان من ماضيها السوفييتي، والأقلية المسيحية الكازاخستانية الضخمة (نحو %40 من سكانها البالغ تعدادهم 15.2 مليون نسمة) من الأسباب التي تعزز من ضرورة تشجيع الغرب لهذا المجتمع، نظراً إلى القوس الإسلامي الذي تقع عليه كازاخستان ويسوده عدم الاستقرار. إن اجتذاب كازاخستان نحو الغرب من شأنه أن يساعد في تعميق تقاليدها العلمانية.إن التحدي واضح. ولن تنتظر روسيا أو الصين إلى أن يتخذ الاتحاد الأوروبي قراره بشأن ما إذا كانت كازاخستان تشكل شريكاً جديراً بالمشاركة. إن كازاخستان تلعب دوراً رئيسياً في منظمة «شنغهاي للتعاون»، وهي المجموعة التي تضم بلداناً من وسط آسيا، علاوة على روسيا والصين. وتركز منظمة :شنغهاي للتعاون» على الأمن الإقليمي، والروابط الاقتصادية، والتماسك الثقافي على نحو لا يختلف كثيراً عن أسلوب منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أو أسلوب الاتحاد الأوروبي.من شبه المؤكد أن منظمة «شنغهاي للتعاون» تشكل أداة تستغلها روسيا والصين في تعزيز حجتها من أجل تأسيس عالم متعدد الأقطاب يقوم على تكتلات أمنية إقليمية تعمل على موازنة الهيمنة الإستراتيجية الأميركية. وعلى هذا فلسوف يكون من المؤسف أن يهدر الاتحاد الأوروبي الفرصة القائمة الآن لربط كازاخستان بالغرب بشدة. وقد لا تسنح مثل هذه الفرصة في المستقبل. * تشارلز تانوك | Charles Tannock ، منسق الشؤون الخارجية لتكتل المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين في البرلمان الأوروبي.«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»