دماء على أسفلت الحزن!!
لماذا يستمر مسلسل القتل المروري بهذه الصورة؟ ولماذا علينا أن نتعامل مع المسألة وكأننا نودع حبيباً لنزفّ آخر إلى الموت؟ ولماذا نستمر في «حرب الشوارع» المعلنة على أنفسنا من دون هدنة ما؟
«لا يعرف الشوق إلا من يكابده»... ولو قُدر لي لاستبدلت كلمة الشوق ووضعت بدلاً منها الحزن، على أصدقاء حميمين، وأهل غادرونا إلى رحمة الله في الأيام القليلة الماضية، وقد تركوا في النفس والقلب غُصة لم يتسنَّ لها أن ترحل عن البال والخاطر، ولم نكد نفيق حتى فُجعنا بحادثة مروعة، بالموت الجماعي لشباب في عمر الزهور... ويا لرداءة... السبب، «حادث مروري»، هكذا ذهبوا وأصبحوا أثراً بعد عين، شباب في بداية خطاهم الى الحياة. إن ذهاب حمود صلاح البرجس ويوسف طلال النفيسي وعبدالله فواز الفضل وجميعهم لم يتجاوز السابعة عشرة من العمر بحادث سيارة يجعلنا نتأمل بحزن لماذا يستمر مسلسل القتل المروري بهذه الصورة؟ ولماذا علينا ان نتعامل مع المسألة وكأننا نودع حبيباً لنزفّ آخر إلى الموت؟ ولماذا نستمر في «حرب الشوارع» المعلنة على أنفسنا من دون هدنة ما؟ فغدا سيموت شاب آخر بالطريقة نفسها، وكأننا نقدم أولادنا قرابين للأسفلت والعجلات والطرق. هل هي ضريبة مستحقة أم أنه آن الآوان لفزعة ما؟ فلو كان بالإمكان التنقل عن طريق الإنترنت لاستخدمنا تلك الطريقة، ولكنها تكنولوجيا لم يتم استخدامها بعد، وحتى يتم استخدامها فإننا مضطرون أن نستخدم الطرق ونقود ذلك الوحش المدمر المسمى سيارة، فهل تكون عقوبتنا أن نتكسر أو تبتر أعضاء فينا أو حتى نموت كما حدث مع حمود ويوسف وعبدالله رحمهم الله.في كل مرة أعتزم السفر فيها إلى الصومال أو العراق أو غيرهما من الدول التي تعصف بها الحروب والعنف، أجد من يسألني إن كنت آخذ بالاعتبار المخاطر التي قد أتعرض لها، وحيث إنني سأقوم بإحدى مهماتي الانسانية في الصومال خلال أيام، فإن ردي التقليدي هو أن الله هو الحافظ، وأنني أحسب المخاطر في شوارع الكويت أكثر من أماكن الحروب والقتل. وهل بات على كل منا أن يتشهد في كل مرة يقود فيها سيارته ليخرج الى ساحة الوغى والقتال والمعارك المسماه شوارع الكويت؟أظن من دون تردد أنه لا يوجد بيت في الكويت إلا فقد عزيزاً في تلك الحرب الطاحنة الضروس، لست هنا في مكان تحديد المسؤولية وطرح الخطط، ولكنها أرواح أولئك الفتية التي ذهبت هدراً، دماء زكية على ذلك الأسفلت اللعين، تطلق صرخة ربما في وجه هذا الجنون المتكرر، وها نحن على بوابة شهر رمضان وسندخل مجدداً في حالات من الهستيريا والجنون المروري ولا سيما قبيل موعد الافطار، وسيموت بشر من بيننا من أجل اللحاق بتمرة.أعترف بأنني شعرت بانكسار وحزن وهزيمة داخلية حين وصلني خبر الحادث الذي أودى بحياة حمود ويوسف وعبدالله، ومازلت، ولكني في الوقت ذاته لن أصل إلى حالة الحزن، وربما الذهول، التي يمر بها آباؤهم وأمهاتهم وأهلوهم وأحباؤهم المقربون... فلهم جميعا نسأل الله الصبر والسلوان وأن يعينهم على المصاب ومن ثم نبدأ بالتفكير من منا يا ترى سيكون الضحية القادمة؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله.