نمطان للاتجار بالبشر في الكويت... والحلول لا تواجه الأشخاص! الكويت لا تلتزم بالحد الأدنى من معايير المكافحة لكنها تبذل مجهوداً ملحوظاً

نشر في 07-03-2008 | 00:00
آخر تحديث 07-03-2008 | 00:00

يكاد لا يخلو بلد في العالم من ظاهرة الاتجار بالبشر، والكويت أحد هذه البلدان التي تختص ببعض صوره، وهي الإكراه والعبودية القسرية، ومصدر ذلك نظام الكفيل وسلوك الشركات الكبرى المستوردة للعمالة.

هل يوجد اتجار في البشر في دولة الكويت؟... هذا هو السؤال الرئيسي في ملف قضية اليوم، وينبغي امام هذا السؤال المحرج ان نتطرق الى عدد من القضايا ذات الصلة بخلفية هذا الموضوع، ولماذا نشط الحديث عنه منذ عام 2000 وما بعده، رغم انضمام الكويت الى اتفاقية دولية تحت اسم «اتفاقية حظر الاتجار بالاشخاص واستغلال دعارة الغير» في 1968/7/1.

كلمة اتجار بالبشر، عنوان عام، تندرج تحته صور وانماط شتى من عمليات جعل الحياة الانسانية سلعة معروضة في السوق، وهذه الصور ربما لا تكون موجودة أو تتم ممارستها في الدول التي يوجد فيها اتجار بالبشر بشكل شامل، وانما تأخذ انماطا محددة تفرضها طبيعة اقتصاد الدولة المعنية، والثقافة الاجتماعية، وحجم الفساد الاداري في اجهزة الحكومة، والنظرة إلى الفئات المُستضعَفة (المرأة، والطفل) والنزاعات المسلحة، وعدد آخر من العوامل.

ومن الصعب السيطرة على هذه التجارة بشكل كامل، فتأثيرات العولمة والاتصال وسهولة حركة النقل، تساهم في تنشيط هذه التجارة بشكل واضح (مليونان يتم الاتجار بهم سنويا بحسب منظمة العمالة الدولية - تقرير صندوق السكان للامم المتحدة 2006)، يشكل النساء 80% من هذا العدد.

وترتبط هذه التجارة بأنماط اخرى من الانشطة، كتجارة المخدرات والاسلحة، وما ينتج عن ذلك من نشاط مواز وهو غسل الاموال، وتؤدي هذه الدورة الخطيرة على حياة ملايين من البشر، الى الشعور بضرورة تطوير ادوات مكافحة هذه الآفة بشكل يفوق التطور الذي يحتكره العاملون في مجال الاتجار، من خلال مراقبة خط السير الثلاثي: العرض (ظروف الانتشار)، المتاجرين (معرفة الطرق ومعالجتها قانونيا)، والطلب (من يقومون باستخدام الضحايا وضرورة معاقبتهم).

ودلائل وجود مثل هذه التجارة في الكويت كثيرة، وقبل استعراضها، نجد انه من المهم اختيار التعريف الفرعي لعنوان «الاتجار بالبشر» الذي يمكن إسقاطه على الوضع المحلي، فهناك الاتجار لغايات جنسية، او اتجار لاقامة نشاط جنسي تجاري، وهناك العبودية القسرية بمعنى الضغط والتهديد الذي يمارسه صاحب العمل، بما يحمل العامل على الشعور بالخوف من الايذاء، اذا لم يقُم بالعمل الذي يريده الطرف الاول، وهناك ايضا مفهوم الاكراه، وهو حمل شخص على عمل ما واكراهه عليه، ومعاقبته اذا اخطأ في ادائه.

هذه باختصار تعريفات الاشكال الحادة للاتجار بالبشر، التي اوردها تقرير مكتب مراقبة الاتجار بالبشر ومكافحته في وزارة الخارجية الاميركية، وهي متوائمة مع روح بروتوكول منع الاتجار بالاشخاص الصادر سنة 2003 من الامم المتحدة.

وبذلك، يكون النمطان الاخيران قريبين من وضع الحالة الكويتية، وهما العبودية القسرية والاكراه، على اعتبار ان تجارة الجنس بالصورة المعمول بها في دول اوروبا الشرقية ودول اخرى، غير موجودة في الكويت.

اذن، هناك نمط او صور للاتجار بالبشر في الكويت، ويأتي التفاعل الرسمي مع الطرف الاميركي الذي يصدر تقريرا سنويا بشأن هذا الامر كاعتراف ضمني بوجود المشكلة. وتوقيع الكويت على البروتوكول الخاص بمنع الاتجار بالاشخاص، ودخولها في الاتفاقية التي ذكرنها سابقا، يعدان محاولة جادة منها للمشاركة في الجهد الدولي لمكافحة هذه الجريمة.

لكن السؤال المهم: من الذي يقوم بعمليات الاتجار بالبشر في الكويت؟... وهو احد الاسئلة الرئيسية التي يبحث عنها تقرير الخارجية الاميركية من الدول التي يجري بحث تفاصيل هذه الجريمة معها.

توجد في الكويت ما يسمى بـ «تجارة الاقامات»، ما يعني ان هناك تجارا للاقامات يمارسون «العبودية القسرية» و«الاكراه»، اللذين سبق شرحهما، ويقف وراء هذين النشاطين المجرّمَين قانونا نظام يسمى «الكفيل المحلي»، الذي من خلاله يستطيع المهاجر دخول البلد للعمل، وتختلف صفة الكفيل من شركة تستطيع ادخال مئات العمال من النساء والرجال، الى فرد يستطيع القيام بالعملية ذاتها، لكن باعداد محدودة جدا في كل مرة.

وتظهر مسؤولية الدولة، التي لا تشجع بالطبع مثل هذه الانشطة التي فيها شبهة اتجار بالبشر، في طبيعة القوانين واللوائح المنظمة للهجرة، من خلال توزيعها على اطراف معروفة هي وزارات الداخلية (المسؤول عن خدم المنازل)، والشؤون الاجتماعية والعمل (المسؤولة عن العمال في القطاعين الاهلي والخاص)، ووزارة التجارة (مانحة التراخيص التجارية)، واخيرا وزارة العدل (بصفتها الحكم فيما ينشأ من خلافات بين اصحاب العمل والعمال).

وهناك ضغوط دولية تُمارس على دولة الكويت بشكل شبه سنوي، ومتزامن مع صدور تقارير دولية، وتقرير الخارجية الاميركية بشأن هذه الظاهرة، ويأتي الحديث على الدوام بشأن نظام الكفيل الكويتي، الذي يشكل حجر عثرة امام تحسين سجل الدولة الحقوقي والانساني، ويعتقد ان هناك عثرات اجتماعية وهيكلية ناتجة عن طبيعة اقتصاد الدولة الريعي، وادارية تخص مسألة الفساد المؤسسي، وعوامل اخرى تحتاج الى دراسة اكثر دقة تحول دون التخلص من نظام الكفيل الذي يقترب جدا من مفهوم العبودية القسري. وتكشف دراسة لمنظمة العمل الدولية، ان 19 دولة لديها تشريع وطني للخدم في المنازل، من اصل 65 دولة خضعت لهذه الدراسة وهو مؤشر على ضعف اهتمام الدول بهذه الشريحة المستضعفة.

وتعتبر الكويت على قائمة الدول في القسم رقم (2) من تصنيف وزارة الخارجية الاميركية في تقرير الاتجار بالبشر، الذي يعني انها لا تلتزم بشكل كامل مع ادنى حد من المعايير الخاصة بمكافحة الاتجار بالبشر، لكنها تبذل جهدا ملحوظا لالزام نفسها بتلك المعايير الخاصة بمكافحة الاتجار بالبشر، وهو آخر تصنيف حصلت عليه الكويت، بعدما كانت في القسم رقم (3) الذي يضم الدول الني لا تلتزم بالمعايير المطلوبة، ولا تقوم بأدنى جهد لفعل ذلك.

ولعل المخالفات التي ترتكبها الشركات الكبيرة التي يخولها القانون جلب اعداد ضخمة، بالمقارنة مع السوق الكويتي وحجمه، هي الاكثر انتشارا في سجل انتهاك حقوق العمال، بالمقارنة مع حجم الانتهاكات المتأتية من شريحة الخدم الخصوصيين وكفلائهم، والدور الذي يمكن ان يلعبه مكتب استقدام العمالة المنزلية في هذا الصدد.

وقد اقتصر التفاعل الحكومي الكويتي الى الان في شأن الاتجار بالبشر، على الصور الآتية: الرقابة على تطبيق قانون العمل في القطاع الاهلي، مع وجود ثغرات عديدة، والدليل وجود ما يسمى بالعمالة السائبة، الرغبة في ايجاد بدائل لنظام الكفيل، وهي رغبة طالت لاكثر من عقد من الزمان من دون تحقيق تغيير يذكر، تعديل عقد استقدام الخدم الخصوصيين (العمالة المنزلية) من دون الوصول الى الطموح الاكبر، وهو اصدار قانون خاص بهذه الشريحة التي يصل عددها الى نصف مليون، انشاء مقر لإيواء العمالة التي تتعرض لاضطهاد، التوقيع على بروتوكول منع الاتجار بالاشخاص تمهيدا لاصدار قانون وطني.

الا ان كل هذه الخطوات ستشكل جزءا متواضعا من خطوات الوصول الى وضع افضل في مجال مكافحة الاتجار بالبشر، ان كان هناك اعتراف دولي بصعوبة القضاء عليه، اذ يتعين على الحكومة منع كل اشكال الاتجار الموجودة والممارسة على ارضها، والمعاقبة على النشاطات الموازية لها (مثل الدعارة في بعض المناطق المعروفة)، التي تأتي على هامش تجارة الاقامات، وتفشي الفساد الاداري، والفلتان الامني المتمثل في طريقة سكن العمال في بعض المناطق، مثل خيطان وجليب الشيوخ.

كما يتطلب الوضع الذي تعيشه الكويت في هذا المجال، اقرار عقوبة توازي الجرائم التي يتم ارتكابها من قبل الكفلاء (الشركات، الافراد)، في شأن مسألتي العبودية القسرية والاكراه، والعمل المتواصل على منع كل الاشكال والصور الخاصة بالاتجار بالبشر.

ما الاتجار بالبشر؟

يُعرف بروتوكول الأمم المتحدة الخاص بمنع وحظر ومعاقبة الأشخاص الذين يتاجرون بالبشر، خاصة النساء والأطفال، بأنه تجنيد ونقل وإيواء أو استقبال الأشخاص من خلال وسائل التهديد أو استخدام القوة، أو غيرها من أساليب الإكراه والاختطاف والتزوير والخداع وسوء استخدام السلطة أو موقف ضعف أو إعطاء أو تسلم دفعات مالية أو خدمات، للحصول على موافقة الشخص، على أن يسيطر عليه شخص آخر من اجل استغلاله. ويتضمن الاستغلال في حده الأدنى، استغلال الأشخاص للعمل في البغاء، أو أي أشكال أخرى من الاستغلال الجنسي، أو الاكراه على العمل أو الخدمات؛ العبودية، أو ممارسات مشابهة للعبودية؛ الأشغال الشاقة الإجبارية، أو إزالة الأعضاء.

تعريف مصطلحات الاتجار بالبشر

الاتجار بالبشر لغايات جنسية: يعني تجنيد، إيواء، نقل، توفير، امتلاك البشر من اجل القيام بنشاطات جنسية، مقابل اجر.

النشاط الجنسي التجاري: يعني القيام بأي نشاط جنسي مقابل قيمة مادية يعطيها الشخص أو يتسلمها.

العبودية القسرية: تشمل الظروف التي يتم الإجبار عليها من خلال:

أ‌ - أي مشروع أو خطة أو نهج يهدف إلى جعل الشخص يعتقد انه إذا لم يقُم بتنفيذ نشاط ما، أو استمر بفعله، فانه أو أي شخص آخر، سوف يعاني من أذى خطير وتقييد جسدي.

ب‌ - الإيذاء والتهديد بإلحاق الأذى عن طريق اللجوء إلى عملية قانونية.

ضمان الدين: يعني الحالة أو الظرف الذي ينشأ نتيجة تعهد المدين بتقديم خدمات شخصية، أو قيام أشخاص تحت سيطرته، بأعمال خدمة للدين وضمان له، إذا قُدرت قيمة تلك الخدمات بشكل معقول، وإنما لم تسوَّ من اجل استهلاك الدين، أو إذا لم يتم تحديد طبيعة تلك الخدمات أو مدتها.

الإكراه: يعني

أ‌ - التهديد بإلحاق أذى أو تقييد لشخص ما

ب‌ - أي مشروع أو خطة أو منهج يهدف إلى جعل الشخص يعتقد انه إذا فشل في تنفيذ نشاط ما، فسيتم إلحاق الأذى به أو تقييده جسديا.

ت‌ - سوء استخدام القانون أو التهديد بإلحاق الأذى عن طريق عملية قانونية.

back to top