حماس... إلى أين وإلى متى؟

نشر في 09-01-2008
آخر تحديث 09-01-2008 | 00:00
 د. شاكر النابلسي

مازالت «حماس» إلى الآن موقنة بأن إقامة الدولة الفلسطينية لن تتأتّى إلا بقوة السلاح، وإقامة انتفاضة مسلحة ثالثة على غرار الانتفاضة الثانية، فإلى أين تقودنا «حماس»؟ وإلى متى تبقى كرة الثلج الفلسطينية في مواجهة وهج النار الإسرائيلية، تذوب كل يوم، لتختفي كلية في النهاية، ونفتش عن فلسطين في الخريطة فلا نجد لها أثراً؟

- 1 -

لا أحد ينكر أن القضية الفلسطينية في هذه الأيام أصبحت فُتاتاً متناثراً، أو كوماً من القش تذروه الرياح، وأن زيارة الرئيس بوش إلى المنطقة والوساطة السعودية–المصرية لن تجدي نفعاً، فكيف «يصلح العطّار ما أفسده الدهر»، مادام الداخل الفلسطيني على هذه الدرجة من الشقاق والانغلاق؟

الشقاق بينهم ليس على مستوى «فتح»، و«حماس» فقط، وليس على مستوى التيار العلماني في منظمة التحرير الفلسطينية، والتيار الديني السلفي، ولكنه على مستوى الأفراد والجماعات والتنظيمات الثقافية والسياسية الصغيرة. والانغلاق على العالم من حول الفلسطينيين وعدم إدراك وفهم ما يجري في هذا العالم من حولهم، ففي الوقت الذي تنادي فيه «حماس» بقيام دولة دينية كصدى لما تنادي به جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وفي الوقت الذي يهدّد فيه خالد مشعل من دمشق بالقيام بانتفاضة ثالثة على غرار الانتفاضة الثانية، وفي الوقت الذي تزداد فيه هجمات صواريخ القسّام على المدنيين الإسرائيليين، يقف الرأي العام الإسرائيلي نتيجة لذلك، وتخضع لهذا الرأي الحكومة الإسرائيلية خضوعاً تاماً، وترضخ لإرادته وقراره، موقفاً سلبياً من إجراء أي سلام مع الفلسطينيين وبالتالي مع العرب الذين هم أحوج إلى السلام من الإسرائيليين.

فإسرائيل منذ عام 1948 وهي تعيش وتكبر وتبني وتتوسع بسلام العالم معها، ومن دون سلام العرب، ونعتقد أنها قادرة بسلام العالم، على أن تعيش نصف قرن آخر، تبني وتكبر وتتوسع، والفلسطينيون ومعهم العرب ينظرون ويراقبون، ولا يحصدون في المساء غير الحسرة والألم.

- 2 -

لم يدرك العرب بعد والفلسطينيون معهم، أنّ مفتاح حلّ القضية الفلسطينية لم يكن في جيوب السياسيين الإسرائيليين منذ تأسيس دولتهم عام 1948 ومنذ عهد بن غوريون إلى الآن، ولكنه في جيب الرأي العام الإسرائيلي في دولة ذات مؤسسات دستورية ديموقراطية ورأي عام فعّال ومؤثر في صناعة القرار الإسرائيلي، شئنا أم أبينا. وأن أفعالنا ونيّاتنا كعرب وفلسطينيين عليها أن تُقنع أولاً الرأي العام الإسرائيلي. وقد نبهنا قبل أيام الكاتب الأميركي نورمان فنكلستين مؤلف كتاب «صناعة الهولوكوست»، في لقائه مع جريدة «الأخبار» اللبنانية، إلى أن «هناك %20 من الإسرائيليين، ممّن يمكن أن يكونوا إلى جانبك إذا أقنعتهم بالحجّة المناسبة (زوال الاحتلال والسلام)، و%20 آخرين هم كالفاشيين ممن لا يجدي إقناعهم لأنهم لا يتغيّرون. والبقيّة، أي الـ %60 يلحقون مصالحهم في السلام. فالتحدّي الأكبر كيف تُقنع هذه الفئة بأن من مصلحتها زوال الاحتلال».

فالساسة الإسرائيليون من مصلحتهم ألا يقتنع الرأي العام الإسرائيلي بالسلام العربي-الفلسطيني. وكنا ومازلنا نرى حكومات ليكود، منذ عهد إسحق شامير تفرُّ من السلام فرار السليم من الأجرب، وشجّعت دائماً قولاً وفعلاً معسكر التطرف الفلسطيني والعربي (يقال إن إسرائيل شجّعت قيام «حماس» لتتصدى لمنظمة التحرير الفلسطينية)، لتتخذه ذريعة لتحميل الفلسطينيين والعرب، أمام محكمة الرأي العام الإسرائيلي والعالمي، مسؤولية رفض السلام، لكي يستمر الاحتلال إلى ما شاء الله.

- 3 -

قبل أيام وقف خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» في دمشق وهدّد بقيام انتفاضة ثالثة شبيهة بالتي قامت عام 2000، وكانت كارثة عظمى على القضية الفلسطينية أمام الرأي العام العالمي وأمام الرأي العام الإسرائيلي، بدلاً من أن يقدّم حلاً سياسياً عقلانياً وواقعياً، وذلك بإعادة هيكلة مفهوم الانتفاضة جذرياً، وتحويلها إلى «كوماندوسات» ومسيرات سلمية لتوزيع المناشير على الإسرائيليين جنوداً ومدنيين. وقيام حركة «حماس» بالتحالف مع بقايا «حركة السلام الآن»، والاتجاهات السياسية الإسرائيلية التي تريد دولة ديموقراطية من الطراز الغربي، متصالحة مع محيطها الفلسطيني والعربي، من أجل إنضاج حل سلمي مقبول.

كان على «حماس» بالذات، أن تعلم مسار التاريخ الجديد للقضية الفلسطينية، وتدرك حقيقتها بعد أكثر من نصف قرن من التيه، والضياع، والخسائر المتتابعة، وهي الحقيقة التي لم نستطع أن ندركها، إلا بعد أن تولّت القيادة الفلسطينية برئاسة محمود عباس زمام الأمور، وجنحت إلى الواقعية السياسية المريرة على قلب جميع العرب، والتي عبّر عنها محمود عباس في لقائه مع شارون في القدس 23/6/2005، وقال له بالحرف الواحد: «نحن ضعفاء، وفقراء، وبحاجة إلى مساعدتكم. يجب أن تفهم أنه ليس لدينا عصا سحرية. أنت فقط من تستطيع مساعدتي ومنحي فرصـة للنجاح. وكل رصاصة أو قذيفة هاون تُطلق عليكم، هي ضدي كذلك. أقدّر شجاعة الشعب في إسرائيل وهو يسير نحو فك الارتباط. افهموا أن ليست لدينا عصا سحرية، أنتم فقط يمكنكم أن تساعدوني وتعطـوني أملا بالنصر». (جريدة «القدس العربي» 23/6/2005).

وهذه هي حقيقة واقع الشعب الفلسطيني بعيداً عن الشعارات الجوفاء، والخطابات العصماء، وهذا هو ملخص الخطاب السياسي العقلاني الواقعي الفلسطيني، ولعل هذا الخطاب كان أشجع خطاب سياسي واقعي فلسطيني قيل حتى الآن، من قبل أعلى مسؤول فلسطيني، ومن قبل قائد فلسطيني اتصف بالشجاعة السياسية الواقعية، ودفع ثمنها في الماضي غالياً (تمت إقالته من منصب رئيس الوزراء في 7/9/ 2003) ويدفع ثمنها غالياً الآن كذلك. وكعادة الإعلام العربي المولع بسفك الدماء، وبعدم قراءة الواقع السياسي الفلسطيني قراءة تاريخية واعية، بعيداً عن العواطف والغرائز والتشنجات، قامت الحميّة الإعلامية العربية، بتهييج الشارع العربي والشارع الفلسطيني على القيادة الفلسطينية لموقفها «المتخاذل»، «المستسلم»، «الضعيف»، و«الخائب».

- 4 -

ولكن مازالت «حماس» إلى الآن موقنة بأن إقامة الدولة الفلسطينية لن تتأتّى إلا بقوة السلاح، وإقامة انتفاضة مسلحة ثالثة على غرار الانتفاضة الثانية التي يقول عنها أكثر المثقفين الأميركيين المتعاطفين مع القضية الفلسطينية نورمان فنكلستين: «أعتقد أنّ الاستراتيجية التي اتّبعتها «حماس» على سبيل المثال، في استهداف المدنيين والعسكريين الإسرائيليين بأعمال إرهابية لن تجدي في إقناع هؤلاء بأن من مصلحتهم زوال الاحتلال ومفاعيله، بل هي برأيي تؤدّي إلى نتائج عكسيّة تماماً. فعندما يشعر الإسرائيليون، بأنهم جميعاً مستهدفون من دون تمييز بين مدنيين وعسكريين، فلن نتمكّن من استمالة الفئة الأوسع منهم نحو السلام وإنهاء الاحتلال.

وهنا أعتقد أنّ الانتفاضة الثانية 2000 أضرّت بالقضية أكثر بكثير مما أفادتها، لأنها همّشت %95 من الفلسطينيين، وحرمتهم من المشاركة الشعبية في النضال، على عكس ما كان الوضع عليه في الانتفاضة الأولى 1987. والأجدر تسمية الانتفاضة الثانية بـ«الفرجة العامة»، حيث وقف %95 من الفلسطينيين متفرجين على %5 فقط من عناصر الكفاح الديني المسلح».

ورغم ذلك، مازالت «حماس» –على لسان خالد مشعل- تفكر في إشعال انتفاضة مسلحة ثالثة، فإلى أين تقودنا «حماس»؟ وإلى متى تبقى كرة الثلج الفلسطينية في مواجهة وهج النار الإسرائيلية، تذوب كل يوم، لتختفي كليةً في النهاية، ونفتش عن فلسطين في الخريطة فلا نجد لها أثراً؟

* كاتب أردني

back to top