Ad

إن التناوب والتداول صفتان أساسيتان في تسييج الديموقراطية، فلا أحد يدوم سوى في الدول الشمولية الدكتاتورية، حيث لا يستقيل الرئيس -رئيس الدولة والحزب والبرلمان- إلا حين يزوره الأجل المحتوم! وإذا أقعده المرض ورّث الكرسي لنجله أو شقيقه أو حرمه المصون!

عدد من النواب اختاروا -مشكورين- التنحي عن المجال البرلماني، لإفساح المجال لغيرهم من الدماء الجديدة التي تحتاجها أوردة المجلس، ولست مع مريديهم الذين طالبوهم بالعودة عن قرارهم، أياً كانت المبررات! ذلك أن الديرة ولّادة ولم تصب بعقم في الرجال الأكفاء القادرين على ممارسة مهمة عضو البرلمان، بصيغة قد تضاهي أسلافهم، وربما تبزهم عطاء وفعلا لما هو في صالح البلاد والعباد! كما أن التناوب والتداول صفتان أساسيتان في تسييج الديموقراطية، فلا أحد يدوم سوى في الدول الشمولية الدكتاتورية... حيث لا يستقيل الرئيس -رئيس الدولة والحزب والبرلمان ...إلخ. إلا حين يزوره الأجل المحتوم! وإذا أقعده المرض ورّث الكرسي لنجله أو شقيقه أو حرمه المصون! أقول ذلك رغم أني من ضمن الجماهير الغفيرة الهاتفة لعبدالناصر إثر تنحيه المشهور إياه «أ... أ... لا تتنحى». ولا حاجة بي إلى القول إن الرئيس رضخ لصوت الأمة وتربع ثانية على الكرسي الساحر! والطريف إن كان ثمة طرافة في الأمر، أن الأمة وصفته بالدكتاتور، بعد أن أعادته إلى سدة السلطة، وهنا «ينط» سؤال كفار مذعور: من يصنع الدكتاتور ويخلقه؟! أليس هم هؤلاء الجماهير الغفيرة التي طالبته بالعودة، بدعاوى شتى لا مجال الآن للخوض فيها؟! الحق أننا في أمسّ الحاجة إلى تجذير وإشاعة ثقافة تداول السلطة وتناوبها: في الوزارات ومواطن العمل، والأندية ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها، ومن الخير للنائب العتيق ألا ينتظر أن يبلغ من العمر عتياً، ليغادر قاعة عبدالله السالم! بل يتركها في عز حيويته، كي لا يجد نفسه محالاً إلى الاستيداع، بفعل عملية الاقتراع، المنطوية -بالضرورة- على التغيير كما هي سنة الناخبين مع المرشحين لرئاسة الجمهورية، أو المجالس البلدية والقروية والبرلمانية!

وكما أسقط الفرنسيون الجنرال ديغول وهو في عز مجده، وقبله فعلها البريطانيون مع رئيس الوزراء بريطانيا وقائدها نحو النصر في الحرب العالمية الثانية «تشرشل» فحين شعر الشعبان البريطاني والفرنسي بأن التحديات التي تجابه البلدين تحتاج إلى تغيير الزعيمين، الجماهيريين لم يترددا في تجسيد هذه الرغبة عبر صناديق الانتخابات.

أعرف أني استطردت، وربما شطحت، رغبة في تأكيد قيمة التبديل والتغيير، والتداول والتجديد وكل القيم والممارسات التي تضيف حيوية للديموقراطية وتجذرها كنخلة سامقة شيماء تساقط رطبا دستوريا جنيا يطعمه الوجدان الجمعي بشهية ولذاذة وشغف! ولا أخفي دهشتي وعجبي العجاب حين يستأثر مجلس إدارة جمعية نفع عام عقودا عدة بالإدارة كما هي حال أعضاء مجمع اللغة العربية المؤبدين، والمنعوت باسم مجمع الخالدية! لأن الأعضاء مخلدون في العضوية، ولا يتيح قبول عضو جديد إلا بطلوع الروح! روح أحد الأعضاء العواجيز! وحين نستعرض أعضاء مجالس إدارات جمعيات النفع العام سنلاحظ أنهم مثبتون على مقاعد العضوية لا يبرحونها أبدا، فضلا عن أنهم لا يسمحون بحضور أعضاء جدد البتة! كما أسفلت آنفا!

والبتة هذه: تحيل إلى موقف من لا يؤمن بالتداول وينفيه بكل السبل! وأنا أزعم بأن الدوائر الخمس ستحدث نوعا من التداول «القسري» إن صح التعبير! لأنه يحدث عنوة من جراء إخفاق نائب مزمن في الحصول على كمية الأصوات التي توصله إلى كرسي النيابة ظاناً أن في كرشه ترقد «بطيخة صيفي» كما يقول إخوتنا «المصاروة»!

سنقول الخمس: إنه مثلما العمر غير مضمون، كذلك هي حال النجاح بالنسبة إلى النواب الذين كانوا «ضامنين» النجاح؛ ويطمحون إلى المركز الأول! ومن هنا أتوقع تنامي حالة الكراهية -الشعورية واللاشعورية- التي ستكابدها حضرة الدوائر الخمس! ولا بأس عليها من ذلك... مادامت صادرة من رحم نميمة المخفقين! وقد سبق لي الإشارة بأني من مؤيدي الدائرة الانتخابية الأولى والوحيدة، التي لا شريك لها، منذ أمد طويل ومابرحت من مريديها. لكن لا أحبذ حضورها المتعجل على أنقاض «أم الخمس» المفترى عليها! فلابد لها أن تحضر وتعيش إلى حين يحل غيابها، وحضور الدائرة الوحيدة الحاضنة للديرة كلها!