إخوتنا الأعزاء في غزة المنتهكة: مع شديد احترامنا لحركة «حماس» وتقديرنا لوطنيتها الصادقة، وحبها لوطنها وشعبها، إلا أننا نرى «حماس» بهذا التصعيد الصاروخي المجاني، لا تخدم القضية الفلسطينية، ولا تدفع بالدولة الفلسطينية إلى الأمام قيد شعرة. ما تفعله «حماس» الآن، هو أن تحيط نفسها بهالة وطنية صاروخية «إلهية».أعزائي أهلنا في غزة:
السلام الدائم عليكم، ورحمة من الله والعقل والبصيرة،،،
لا نستطيع أن نقول لكم في هذه المحنة التي أنتم فيها، وفي هذه الأيام العصيبة، إلا العودة إلى الوعي العقلاني بما يجري لكم، وما تخسرونه يومياً من الضحايا الأبرياء.
إن ما يجري في غزة، قد آلم العالم كله، من محبين وكارهين لفلسطين وللفلسطينيين، ولكن ما أسكتَ العالم كله وأخرسه، من محبين وكارهين لفلسطين وللفلسطينيين، هو سكوتكم «القسري»، عمّا تقوم به مليشيات «حماس» باسمكم ونيابة عنكم، بخصوص تصعيد ضرب صواريخ «القسّام» و«غراد» الجديدة للمستعمرات الإسرائيلية.
لاشك أن المقاومة حق مشروع لكل إنسان حر، يدافع عن حقوق مسلوبة وأرض مغتصبة، ولكن المقاومة العاطفية التي لا تستند إلى حساب عقلي، هي المرفوضة من العالم كله، وهي التي تدفع العرب والعالم إلى أن يقفوا موقف المتفرج الآن الذي تحتجون عليه، وينتقده قادة «حماس»، وأنتم و«حماس» في هذا النقد محقون، ولكنكم غير منصفين. بمعنى أن لكم الحق في هذا الغضب وفي هذا النقد، ولكن العالم والعرب معه، لا يملكون إلا أن يقفوا متفرجين على ما يجري في غزة من مذابح وجرائم، عندما تؤكد إسرائيل أن ما تقوم به هو دفاع عن النفس، والبادئ أظلم.
فالعرب الذين تستنجدون بهم الآن، وتطلبون منهم التدخل لوقف هذه المجزرة لم يُستشاروا ولم يشاركوا في قرار «حماس» الخطير بتصعيد الهجمات الصاروخية على المستعمرات الإسرائيلية، فـ«حماس» تعلم قدرتها القتالية والعسكرية، وتعلم قدرة إسرائيل القتالية والعسكرية كذلك.
إذن، واضح تماماً أن ميزان القوى ليس متساوياً، وأنه يميل إلى كفة إسرائيل مليون مرة. بمعنى أن إسرائيل أقوى عسكرياً من «حماس» ومن السلطة الفلسطينية مجتمعة مليون مرة!
إذن، واضح تماماً أن قرار تصعيد الهجمات الصاروخية من قبل «حماس» على المستعمرات الإسرائيلية «ولا ننسى أن هذه المستعمرات مدنية وآهلة بالسكان، وبأن هذه الصواريخ لا تُلقى على ثكنات أو مجمعات عسكرية» كان قراراً وطنياً بامتياز، ولكنه قرار عاطفي بامتياز أيضاً. فالقرار العسكري العاطفي سواء كان وطنياً، أم غير وطني، هو قرار خطير، ويودي بالأوطان إلى التهلكة، وإلى المحرقة. وللأسف، فإن كل قراراتنا لمواجهة إسرائيل منذ 1948 إلى الآن كانت قرارات عاطفية لإثارة الحماس والشعور الكاذب بالقوة والتصدي والممانعة.
إخوتنا الأعزاء في غزة المنتهكة:
مع شديد احترامنا لحركة «حماس» وتقديرنا لوطنيتها الصادقة، وحبها لوطنها وشعبها، إلا أننا نرى «حماس» بهذا التصعيد الصاروخي المجاني، لا تخدم القضية الفلسطينية، ولا تدفع بالدولة الفلسطينية إلى الأمام قيد شعرة.
ما تفعله «حماس» الآن، هو أن تحيط نفسها بهالة وطنية صاروخية «إلهية» كما يفعل «حزب الله» في لبنان، وتبني لنفسها أمجاداً شعرية وخيالية وعاطفية كاذبة.
«حماس» بما تقوم به من تصعيد صاروخي، لا تريد مصلحة فلسطين الوطن، إنما تريد مصلحتها هي. تريد أن تُظهر نفسها أمام الفلسطينيين وأمام العرب وأمام العالم في صورة المدافع العسكري الوحيد، عن حقوق الشعب الفلسطيني ببعض صورايخ «القسّام» وبعض صواريخ «غراد» الجديدة التي دخلت غزة حديثاً. وكنا نتمنى أن يكون ميزان القوى العسكرية بين إسرائيل و«حماس» متساوياً، إذن لتمَّ «الردع الحمساوي» لإسرائيل.
ولكن يؤسفني أن أقول أيها الإخوة، إن «حماس» في تصعيدها الصاروخي الجديد هذا تحارب إسرائيل عاطفياً، نيابة عن «حزب الله» الذي أصبح بينه وبين إسرائيل قوات «اليونفيل» الدولية، بحيث لا يستطيع الوصول إليها. كما أن «حماس» بتصعيدها الصاروخي الجديد هذا، تحارب إسرائيل نيابة عن سورية التي أرسلت لـ«حماس» صواريخ «غراد» بعد أن عجزت هي عن إطلاقها عبر الجولان المحتل منذ عشرات السنين.
والمبكي والمحزن حقاً، هو أن «حزب الله» و«سورية» و«إيران» من ورائهما، لا تستطيع الآن أن تنجد «حماس» والشعب الفلسطيني من العقاب الإسرائيلي. هي «حزب الله- سورية- إيران» تحرضها «حماس» على التصعيد، وتمدها بالصواريخ، وربما بالمال لدفع رواتب الانتحاريين في حياتهم، والتعويضات في مماتهم. ولكنها لا تستطيع صدَّ رصاصة واحدة مما تطلقه إسرائيل كرد فعل عنيف وشرس على مجموعة من صواريخ «القسّام» و«غراد» الجديدة.
إن زعماء «حماس» في هذا المشهد الحالي الحزين والانتحاري، مصابون بمرضي الماسوشية والسادية معاً.
فهم من ناحية يتلذذون في تعذيب أنفسهم وتعذيب شعبهم، ومن ناحية أخرى يستدرجون التصفيق والترحيب من غوغاء الشارع العربي.
كان بودنا أن تكون «حماس» منظمة عسكرية قوية متفوقة على قوة إسرائيل العسكرية، وتستطيع أن تحلَّ القضية الفلسطينية وتبني الدولة الفلسطينية بقوة السلاح لا بالقوة الدبلوماسية إن أمكن.
فمشكلة «حماس» الكبرى والقاتلة، أنها تواجه إسرائيل بنفس الخطاب والسلاح وبنفس الطريقة التقليدية والبدائية التي كان المجاهدون الفلسطينيون الأوائل بقيادة المجاهد السوري فوزي القاوقجي 1890-1977 والمجاهد الفلسطيني عبدالرحيم محمود 1913-1948 والمجـاهد السوري عز الديـن القسّام 1882-1935 وغيرهم، يواجهون به عناصر منظمة «الآرغون» الصهيونية بقيادة مناحيم بيغن، أو عناصر ميليشيا «الهاغانا» (مؤسسة عسكرية يهودية قامت عام 1920 للدفاع عن اليهود).
وهكذا تعود بنا حركة «حماس» إلى ما قبل المربع الأول في القضية الفلسطينية في الأربعينيات. وهي -شخصياً- في واقع الأمر غير خاسرة بل رابحة، ولكن ربحاً كاذباً كالحَمْلِ الكاذب، والربح الكاذب الذي ربحته وتربحه الآن، هو هذا التصفيق والترحيب والابتهاج والهيجان الشعبي وتأجيج العواطف (لاحظ كلها عواطف) ممن هم خارج فلسطين، وخارج غزة، ويعيشون عيشاً مترفاً في أوروبا والعالم العربي. وهؤلاء ساديون، يظنون أنهم يذلون الآخر. وماسوشيون أيضاً، يستعذبون الذل من الآخر، على النحو الذي نراه الآن.
وفي النهاية، وبالنتيجة الأخيرة، تبدو الحكاية كلها «عواطف بعواطف»، لا تتعدى التلذذ بمناظر الدم الفلسطيني المهدور واللحم الفلسطيني المشتت على شاشات الفضائيات، وفي الصفحات الأولى للصحف. وهي مناظر لأحداث ليست جديدة، إنما شهدناها طوال نصف القرن الماضي، ومنذ 1948، وما قبلها كذلك، ولم نتعلم منها.
والسلام عليكم.
* كاتب أردني