تتدافع الصور في وجداننا بشكل عجيب ونحن نتذكر عدوان يوليو الماضي على لبنان، حتى ليبدو من الصعب بمكان على أي واحد منا أن يجمعها في لوحة واحدة تبين جوانبها وأبعادها المتناقضة كلها، اللهم إلا أن يكون فناناً من العيار الثقيل! فالصور التي ظهرت فيها في تلك الأيام بقدر ما كانت عصيبة ومحزنة وموحشة وموغلة في الألم، بقدر ما كانت مثار فخر واعتزاز وموغلة بالنشوة والانتصار، نعم النشوة والانتصار!
صحيح أنها حرب عدوانية وحشية قذرة من العيار الثقيل لا نريد لها أن تعود ولا نتمناها لأي من اقطارنا العربية والإسلامية أيضاً، لكننا لا نستطيع مطلقا أن نمر عليها مرور الكرام كأي حرب وحشية أخرى سبقتها أو ننكر الجانب المضيء من الواقعة التاريخية، الذي يلح علينا اليوم بقوة ويكاد يدخل إلى كل بيت من بيوتنا من دون استئذان، ألا وهو الإحساس «اليقيني» بـ «حتمية» الانتصار منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب لدى تلك المجموعة الصغيرة و«القليلة» في العدة والعتاد على المعتدي المدجج بكل أنواع الأسلحة والدعم والإسناد العالمي الذي كان في المقابل «متيقنا كل اليقين» بأن حربه المفتوحة كما أعلنها لن تنتهي بغير إلحاق الهزيمة الماحقة بتلك المجموعة التي تجرأت على كل الأقوياء العالميين مجتمعين!«إنهم فتية آمنوا بربهم فزدناهم هدى... » هم بالتأكيد بشر مثلنا لكنهم من معدن مختلف! لقد أعاروا الله جماجمهم منذ اللحظة التي اختاروا فيها طريق المقاومة ولم يعيروها لأحد غيره مهما علا شأنه حتى قائدهم «المفدى»، فكانوا هم وإياه على قدم المساواة في التخطيط و«التنظير» كما في البذل والعطاء! لا يفرق القادم إلى زيارتهم- وهم متحلقون حول بعضهم البعض- بين الجندي منهم وبين القائد! حتى يكاد المرء يتذكر من سبقوهم على هذا الطريق من الرعيل الأول حيث كان القادم إليهم باحثاً عن نبيهم يقول قولته الشهيرة «من بينكم محمد؟!»إن معدن هؤلاء الفتية هو من معدن الخليفة الرابع للمسلمين الإمام علي عليه السلام، وهو القائل ردا على سؤال كيف كنت تنتصر على عدوك في الحرب: «عندما أكون أنا ونفسه عليه»! إنها الذروة في علوم الحرب النفسية. أليس كذلك؟ فقد كان رجال الله الذين انتصروا في الميدان ولايزالون متمسكين بالنصر كما باليقين بالانتصار مرة أخرى في حالة أي حرب جديدة أو عدوان جديد، تلامذة هذه المدرسة النموذجية التي لا ينفد عطاؤها مهما عصفت الأيام وتقلبت الدهور! أليس قائدهم الجديد هو الذي حسم المعركة منذ اليوم الأول، لا بل حتى قبل أن تنطلق شرارتها عندما «جزم» لجمهور العامة من معسكر الخصم بأن معركتهم ستكون خاسرة، وأنهم سرعان ما سيكتشفون أن قيادتهم هي «الأكثر غباء وحماقة وجهلاً وقلة اطلاع في تاريخ دولة إسرائيل... »؟ وهو ما أكدته لجنة «فينوغراد» التي شكلت على خلفية الفشل الذريع بعد شهور عدة من «نبوءة» السيد! أليس قائدهم الجديد، هو ذلك الفارس العربي الوحيد المتبقي في عصر «الزمن الردئ» هو ذلك الذي ظهر على الهواء مباشرة، وهو يؤكد ويكرس «النصر بالرعب» مبكراً ومن على شاشات التلفاز الذي كان يشد العشرات من الملايين في تلك الأيام الصعبة، وهو يقول : «المفاجآت التي وعدتكم بها سوف تبدأ من الآن... الآن في عرض البحر في مقابل بيروت... البارجة الحربية العسكرية الإسرائيلية التي اعتدت على بنيتنا التحتية وعلى بيوت الناس وعلى المدنيين... انظروا إليها تحترق وستغرق ومعها عشرات الجنود الإسرائيليين الصهاينة... هذه البداية وحتى النهاية... كلام طويل وموعد والسلام عليكم ورحمة الله... »! أليست هي الذروة في اليقين بأن من يقودهم من رجال الله، إنما هم من معدن الرجال الذين إذا أرادوا أراد الله... رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه... رجال يستأهلون أن نحتفي بهم ونفخر بهم وأن نرفع هاماتنا بهم وأن نقف إجلالا وإكبارا لهم، لا بل أن نقبل رؤوسهم التي رفعت كل رأس ونقبل أقدامهم المنغرسة في الأرض، الأرض التي هم ملحها وهي المملوحة بمعدنهم! إنهم رجال الوعد الصادق الذين تمر اليوم الذكرى السنوية الاولى على انتصارهم المدوي على «الجيش الذي لا يقهر»! ولما تنتهي الحرب المفتوحة ضدهم من قبل الصديق قبل العدو! أليست مفارقة لا يمكن أن يصورها إلا فنان من العيار الثقيل، بات معدنه نادراً في هذا الزمن العجيب! أمين عام منتدى الحوار العربي - الإيراني
مقالات
رجال الله... في الوجدان!
15-07-2007