Ad

هناك فرق شاسع بين المسؤولية المباشرة بتفصيلاتها الدقيقة وبين المسؤولية السياسية العامة والمعلقة من دون أدنى شك في عنق نورية الصبيح كوزيرة، لأن المسؤولية السياسية تعني أن يكون ذلك النظام الإداري الدقيق، وسائر النظم الإدارية الأخرى، موجودة وسائرة على أكمل وجه،

كان الأمر سيكون مقبولاً لو أن المجادلين في مسؤولية نورية الصبيح عن حادثة الاعتداء الجنسي التي تعرض لها أطفال في إحدى المدارس الابتدائية، هم من البعيدين عن الشأن السياسي أو من الناس العاديين بسطاء التفكير، لكن أن تجده من أناس على مستوى الكاتب محمد مساعد الصالح الذي كتب يقول في زاويته بالزميلة «القبس»: «ما شأن وزيرة التربية والتعليم العالي بعمال نظافة يتبعون شركة نظافة في الاعتداء الجنسي على الطلبة؟ هل يطلبون من الوزيرة نورية الصبيح أن تداوم هي وجميع موظفي الوزارة عند بوابات المدارس»، فهذا أمر غريب فعلاً، وتبسيط هش لا أدري كيف صدر عن أستاذنا القدير؟!

لا يا أستاذي العزيز، لن يطلب عاقل من الوزيرة أن تداوم عند بوابات المدارس، لأن هذا الذي تصف هو ما يسمى بالمسؤولية الإدارية، وهو ليس من شأنها بل مناط بمشرفي المدارس وحراسها الذي يفترض فيهم التواجد في تلك الأماكن.

هناك فرق شاسع بين هذه المسؤولية المباشرة بتفصيلاتها الدقيقة وبين المسؤولية السياسية العامة والمعلقة من دون أدنى شك في عنق نورية الصبيح كوزيرة، لأن المسؤولية السياسية تعني أن يكون ذلك النظام الإداري الدقيق، وسائر النظم الإدارية الأخرى، موجودة وسائرة على أكمل وجه، وإلا فإنها مسؤولة أمام الله والناس عن القصور. هذا المعنى الذي فات أستاذنا الكبير، ويبدو أنه فات كثيرين غيره، هو ذاته المقصود في القول الشهير لعمر بن الخطاب حين قال: «لو ماتت شاة على شط الفرات ضائعة، لظننت أن اللّه عز وجل سائلي عنها يوم القيامة»... وإلا فما شأن عمر بشاة ضائعة على شط الفرات؟!

ليس السؤال إذا كانت نورية الصبيح مسؤلة سياسياً عما حصل أم لا؟ لأنها كذلك دون قطرة من شك، ومن يجادل في هذه الجزئية عليه أن يراجع نفسه، وإن لم يقتنع فعليه أن يخبرنا بالحاجة إذن لوجود الوزراء إن لم يكونوا مسؤولين سياسياً عما يجري في وزاراتهم؟ ولماذا لا نكتفي بوكلاء الوزراء ومساعديهم والمدراء وبقية الأطقم والهياكل الإدارية وكفى الله المؤمنين القتال؟! هذا كلام ساكت كما يقول السودانيون.

ثابت أن نورية الصبيح مسؤولة سياسياً عما حصل. لكن هذا لا يدفعني إلى الاستعجال ومطالبتها بالاستقالة، فالأمر مرتهن بالنهاية بملابسات ما حصل، وعما إذا ما كان الخلل قد نتج عن إهمال أو تفريط في المسؤوليات الإدارية؟ أو لعدم وجود نظام إداري أصلاً؟ وعن حجم المشكلة واحتمالية تكرارها؟ ووفقا للإجابة على هذه الأسئلة ومثيلاتها، سيتحدد ما إذا كان يجب على نورية الصبيح أن تستقيل من باب إحساسها وقبل كل شيء بثقل المصاب وارتباطها به، أو أن تقرر فتبقى بحجة معالجة أوجه القصور ومحاسبة المسؤولين الإداريين المباشرين عنها، وتتحمل بصبر ملامة الناس وضغوطاتهم.

إن استقالة نورية ليست غاية بذاتها، فما الفائدة التي تُرتجى من رحيلها ومجيء غيرها إن كانت مشاكل الوزارة ستبقى كما هي؟ إلا إذا كان مقصود بعضهم تصفية حسابات وتحقيق انتصارات حزبية وشخصية كانتصار السلف الوهمي برحيل المعتوق. لا فائدة من استقالة كاستقالة د. معصومة المبارك وزيرة الصحة السابقة إثر حريق مستشفى الجهراء، عندما أجلاها الضغط الشعبي والنيابي دون أن تقر بمسؤوليتها السياسية ودون أن تعترف الحكومة بوجود الخلل الإداري الذي أدى إلى الحادثة أصلاً، لنكتشف في نهاية المطاف أن الوضع باقٍ على ما هو عليه!

لكن وكما أن الدعوة إلى استقالة نورية الصبيح لا يجب أن تنبع دون أساس صحيح، فإن الدفاع عنها كذلك لا يجب أن يأتي من باب الفزعة المجردة. أولئك النواب الذين انبروا للدفاع عنها يجب أن يعترفوا أن معالي الوزيرة لم تحقق حتى الآن شيئاً ذا قيمة لتصحيح الأوضاع المعتلة في وزارتها بالرغم من أنها من أكثر الناس علماً بمواطن الخلل، وعليهم أن يتساءلوا بحق: هل هي الشخص المناسب في المكان المناسب؟!