Ad

المؤشرات الفعلية تشير بما لا يقبل الشك والتردد إلى أن زمن الأحادية الأميركية قد ولّى ولا عودة ممكنة لمرحلة القطب الواحد على مسرح العلاقات الدولية البتة! إنه زمن انحسار النفوذ الأميركي على المسرح العالمي رغم كل التبجح والصراخ وعرض العضلات الذي تستعمله هنا وهناك!

إذا كانت اتفاقية التعاون الصيني الإيراني الأخيرة البالغ قيمتها 16 مليار دولار «أمراً لا يخص أميركا» كما يقول الناطق الرسمي باسم الخارجية الصينية، وأن العقوبات الاقتصادية الجديدة التي تحاول واشنطن تحشيد ما يسمى بالمجتمع الدولي لإقرارها، ومن ثم لتطبيقها لم تثن دولة مثل الصين عن عقد مثل هذه الاتفاقية، ومن ثم تنفيذها على أرض الواقع، والذهاب إلى أبعد من ذلك ليضيف بالقول: «إن العقوبات الجديدة لن تؤثر على تنامي علاقاتنا التجارية والاقتصادية مع طهران»!

وإذا كانت الدولة العظمى الثانية من حيث الأهمية من أعضاء مجلس الأمن الدولي الدائمي العضوية وهي روسيا قد أنهت لتوها التوقيع على اتفاقية استراتيجية طويلة الأمد مع طهران تتعلق بالتعاون في مجال الغاز بقيمة 6 مليارات دولار تقوم من خلالها شركة غاز بروم الروسية العملاقة بالتعاون مع شركة النفط والغاز الإيراني في تطوير حقل بارس جنوبي، وهو الحقل الأضخم في إيران والذي تعول عليه موسكو وتحلم أن تصل قدماها من خلاله إلى المياه الدافئة، وبالتالي تحقيق حلم القياصرة القديم! فلا معنى من كل الصخب الإعلامي الذي تحاول واشنطن من خلاله إرهاب أو إرعاب طهران أو حلفائها في المنطقة من خلال الصراخ الذي لا ينقطع بأنها بصدد تكبيل عاصمة «الشر» المستطير والبنك المركزي للإرهاب العالمي!

ويصبح صراخها هذا بالتالي، أشبه بصراخ الطفل الذي كلما اشتد ظلام الليل الدامس عليه وهو يسير في أزقة لا يعرفها، وذلك حتى يبعد رهبة ذلك الظلام ويطرد الخوف المتصاعد لديه من خلال الإيحاء بأنه لايزال متماسكاً ولم يفقد أعصابه وأنه ليس خائفاً أصلاً!!

لاتفسير آخر للهمروجة الإعلامية والدعائية الأميركية حول استمرار الضغط «الفارغ» إذن على الإيرانيين في نفس الوقت الذي تتوسل فيه إلى قادتهم من تحت الطاولة للجلوس معهم للتفاوض حول أفضل وأنجع وأسرع الطرق لإنهاء الوضع المأساوي الذي تعيشه قوات الاحتلال في العراق، مقابل الضمانات التي تبدي واشنطن استعدادها لتقديمها لنظام طهران ليس فقط بعدم اللجوء إلى الخيار العسكري، بل قبوله رقماً من الوزن الإقليمي الثقيل في المنطقة!

وهنا ثمة من يقول إنه مهما قيل عن أهداف زيارة الرئيس أحمدي نجاد إلى العراق فإن التحدي الأكبر الذي تمثله هذه الزيارة هو هذا العنفوان والغنج الإيراني معا!

ولذلك فإن ثمة من يقول إن مجلس الأمن الدولي لم يبق من هيبته أو جبروته سوى أنه ورقة لاتزال رابحة يحاول الأميركي استعمالها بكل ما أوتي من قدرة على المناورة في مساوماته الكبرى مع الدول العظمى الأخرى المنافسة له، التي بدأت تزحف على مساحات ومواقع نفوذه التقليدية في أكثر من موقع في القارتين الآسيوية والإفريقية حتى صار العالم متعدد الأقطاب بالفعل، والمؤشرات الفعلية تشير بما لا يقبل الشك والتردد إلى أن زمن الأحادية الأميركية قد ولّى ولا عودة ممكنة لمرحلة القطب الواحد على مسرح العلاقات الدولية البتة!

إنه زمن انحسار النفوذ الأميركي على المسرح العالمي رغم كل التبجح والصراخ وعرض العضلات الذي تستعمله هنا وهناك!

في مضيق هرمز اضطرت لمكاتبة القيادة الإيرانية رسمياً لتشكيل لجنة تنسيق وتشاور دائم حتى تمنع التصادم مع القوارب الإيرانية السريعة بعد أول استعراض للقوة والحزم الإيرانيين في مواجهة التبجح واستعراض القوة الأميركي من خلال أساطيلها الجوالة!

وها هي اليوم تحاول إرسال رسائل مشابهة للمقاومة اللبنانية وسورية الممانعة من خلال استعراض المدمرة «كول» قبالة المياه اللبنانية الإقليمية لكنها لن تحصد إلا فشلاً لن يقل جدية عن فشل بداية الثمانينيات!

لم يكن لينين مخطئاً عندما قال إن الامبريالية تحفر قبرها بيدها، ولم يخطئ أحمدي نجاد كذلك أو السيد حسن نصر الله عندما أكدا أن بداية نهاية دولة إسرائيل قد بدأت! هذه هي سنة الله في خلقه وأرضه ولن تجد لسنة الله تبديلاً!

إنها المواجهة المفتوحة التي اختاروها لتنفيذ «انسحابهم المشرف» الذي لطالما تحدثوا عنه والذي سنعاني بسببه الكثير... نعم أي حتى وهم ينسحبون ويفرون، لكنهم سيعانون أكثر بلا تردد.

غير أن الفارق هو: «أنهم يألمون كما تألمون لكنكم ترجون من الله ما لا يرجون»!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني