التنمية الشاملة ليست مجرد حلم طموح تستحقه الكويت فحسب، بل يجب أن ننظر إليها من زاوية واقعية ومؤلمة إلى حد كبير، فأزمة القروض والمواجهة الساخنة في معركة زيادة الرواتب تعكسان حالة من المفارقة المحزنة بين بلد غارق في الفوائض المالية وشعب غارق في الديون.هل يعرف القارئ أن آخر خطة خمسية لدولة الكويت كانت قبل 30 سنة؟ وهل يعرف المواطن أن برنامج عمل الحكومة، رغم كونه إنشائياً وعقيماً من ناحية الأهداف، لم ينفذ ولو جزئياً على مدى العقدين الماضيين على أقل تقدير؟ وهل يعرف الناخب الكويتي المقبل على صناديق الاقتراع أن الحكومة لم تتقدم بأي خطة للتنمية منذ استقلال الكويت قبل 47 سنة؟!
ومع الشعور العام بضرورة اللحاق بركب التنمية ومع المناشدات والدعوات بترجمة هذا الحلم، والأكثر من ذلك أنه رغم التوجيهات السامية لصاحب السمو الأمير بتحويل الكويت إلى مركز تنموي قوامه المال والاستثمار، لاتزال عقلية القرار غير مستوعبة ولا حتى مستعدة لتدشين هذا المشروع، بل لم تؤسس لها خريطة طريق أولية ناهيك عن أي قواعد عملية للانطلاق.
ومن هنا نأمل أن يأخذ موضوع التنمية حيزاً مهماً في الحملة الانتخابية الجارية وأن تشكل جبهة وطنية على غرار «نبيها خمس» يبادر أنصارها بفرض هذه الأولوية على أجندة السلطتين في أول جلسة للمجلس القادم، وتلزم الحكومة بتقديم رؤية تنموية شاملة مدعومة بالأهداف المجدولة على توقيت زمني، وتناسب طموحات الشعب الكويتي، وتتناغم مع الوفورات المالية الضخمة التي نتمتع بها في ظل تجاوز أسعار النفط حاجز المئة دولار.
فالتنمية ومتطلباتها وضرورتها قد تكون أحد المحاور الرئيسة لتحديد ملامح مستقبل الكويت، ليس فقط لأهميتها الاستراتيجية أو صورة من صور التحدي الحضاري المنطلق بسرعة جنونية في العالم وبشكل غير مسبوق وفي فترة زمنية قصيرة جداً لم تتعد الشهرين.
فالاحتقان ومن ثم الاصطفاف الطائفي الذي فرض نفسه على الساحة بقوة، ومن بعد ذلك مباشرة الاستقطاب الحضري-القبلي ودخول الحكومة من خلال أجهزة الأمن وعبر استخدام القوة في مواجهة بعض شرائح المجتمع، قد مزق النسيج الاجتماعي وهز الوحدة الوطنية، شئنا أم أبينا بقصد أو من دون قصد، ومثل هذه التركة الثقيلة بحاجة إلى جهد كبير وزمن ليس بالقصير لترميمها، ولعل مشروعا وطنيا كبيرا كخطة تنمية شاملة وحقيقية قادرة على استيعاب الجميع ويشارك في بنائه الجميع، وتنعكس فوائده على الجميع قد يساهم في إعادة اللحمة الوطنية المهددة.
فالتنمية الشاملة ليست مجرد حلم طموح تستحقه الكويت فحسب، بل يجب أن ننظر إليها من زاوية واقعية ومؤلمة إلى حد كبير، فأزمة القروض والمواجهة الساخنة في معركة زيادة الرواتب تعكسان حالة من المفارقة المحزنة بين بلد غارق في الفوائض المالية وشعب غارق في الديون وأسر باتت الزيادة بمقدار خمسين دينارا يعني لها الشيء الكثير!
وظاهرة شراء الأصوات دليل آخر على هذه المعاناة، حيث تكاد العملية الانتخابية لاختيار صناع القرار في ظروف صعبة ومصيرية تسرق بمبالغ زهيدة لا تجاوز الـ500 دينار، وتستهدف تحديداً الأغلبية الصامتة من الأسر المحدودة الدخل التي تجد في ذلك فرصة لسد بعض عوزها ولو إلى حين.
وأي مشروع للتنمية من شأنه إنقاذ الآلاف من المواطنين عبر تحسين مستوى المعيشة والخدمات من براثن أصحاب المصالح الخاصة ممن لا يجدون في الكراسي الخضراء سوى أداة لتعويض ميزانية حملاتهم الانتخابية، والبدء بما هو أعظم من جيوب هؤلاء المساكين وحصتهم من المال العام!