Ad

«كان الملك حسين يدرك أنه بصدد مخاطرة كبيرة... وكان يعرف أن العرض الذي تقدم به (إلى الإسرائيليين) هو بمنزلة تضحية «شخصية» كبيرة أيضاً... لكنه مع ذلك أقدم على ما أقدم عليه وهو على استعداد لقبول حكم شعبه والأمة العربية والتاريخ».

من خلال ما نشر من كتاب «أسد الأردن» لمؤلفه «آفي شليم» المؤرخ والبروفسور في جامعة «إكسفورد» البريطانية الذي تواصل صحيفة «الشرق الأوسط» نشر مقتطفات منه يتضح أن الملك حسين، رحمه الله، هو المقصود بهذا العنوان، وأنه كان لديه قناعات بالنسبة إلى الصراع العربي-الإسرائيلي تختلف عن كل القناعات التي كانت سائدة في ذلك الحين، إن على مستوى الرأي العام وإن على مستوى معظم القيادات العربية التي هي سبب لاءات قمة الخرطوم الشهيرة: «لا مفاوضات لا اعتراف لا صلح»!!

لقد كان، رحمه الله، على قناعة تامة بأن استعادة ما احتلته إسرائيل في حرب الخامس من يونيو عام 1967، التي كان يرفض اعتبارها حرباً دفاعية، خصوصاً القدس (الشريف) والضفة الغربية، غير ممكنة من خلال الحرب والقوة، والسبب أن العرب غير مؤهلين لأي مواجهة عسكرية مع دولة موضوع بين يديها بعض إمكانات الغرب الأوروبي وكل إمكانات الولايات المتحدة العسكرية والسياسية والمالية.

كان هاجسه الدائم الذي دفعه إلى اتصالات مبكرة مع الإسرائيليين، ثبت أنها كانت بمعرفة جمال عبدالناصر وموافقته وتشجيعه، هو أن تصبح السيطرة في إسرائيل للمتطرفين الذين لم يكتفوا باحتلال الضفة الغربية ومن ضمنها القدس الشريف، إنما يتطلعون إلى إسقاط النظام الأردني للاستيلاء على بعض مناطق الضفة الشرقية واستيعاب الفلسطينيين في ما تبقى من هذه الأراضي من خلال كيان هزيل يحكمونه ويكون «إسفنجة» امتصاص يحقق نزعتهم للحصول على هوية وطنية خاصة بهم، ويحقق طموحاتهم بأن تكون لهم دولة اسمها الدولة الفلسطينية.

وحسب هذا الكتاب فإن الملك حسين كان يدرك «تماماً» أنه ليس لدى العرب أي خيار عسكري، وأنه ليس لدى الإسرائيليين رغبة في السلام... وتوصل إلى نتيجة تتلخص في أن إسرائيل تريد «لأسباب دينية وثقافية الاحتفاظ بالأراضي التي احتلتها، وأنها تحتاج إلى أراض إضافية بغرض تعزيز موقفها... إنه كان يشعر في ذلك الوقت بقلق إزاء شائعات تحدثت عن محاولة إسرائيلية وشيكة للاستيلاء على أراض في الضفة الشرقية لنهر الأردن كان يستخدمها مسلحو المنظمات الفلسطينية».

وحسب هذا الكتاب، الذي من المفترض أن ينزل إلى الأسواق باللغة الإنكليزية قريباً، فإن «الملك حسين كان صارماً في صياغة دوره، وكان يعتقد أن لا خيار أمام العرب والإسرائيليين سوى السلام والتعايش في نهاية المطاف، وكان في بعض الأحيان يفكر في احتمالات القيام بمبادرة سلام فردية من جانب الأردن مشروطة باستعادة الحكم العربي للأراضي المحتلة... لقد ظل شعاره باستمرار أنه بوسع إسرائيل الاحتفاظ إما بالأرض وإما بالسلام، أما الاحتفاظ بكليهما فإن هذا غير ممكن على الإطلاق»... وهذا هو ما قامت عليه مبادرة السلام العربية أي الأرض مقابل السلام.

لقد أصر الملك حسين على استعادة كل الأراضي التي احتلها الإسرائيليون في حرب يونيو 1967 وفي مقدمتها القدس التي كانت خسارتها قد أثرت فيه أكثر من أي شيء آخر، وقد مات، رحمه الله، وهو يحلم باستعادتها إلى السيادة العربية، ووفقاً لما تضمنه هذا الكتاب الموثق الذي استغرق إعداده سنوات طويلة من التدقيق والمتابعة «يمكن القول إن النيّة في التوصل إلى سلامٍ كانت متوافرة لدى الطرفين إلا أن الملك حسين كان يصر بقوة على انسحاب إسرائيل من كل الأراضي التي استولت عليها في حرب يونيو... لكن الإسرائيليين من جانبهم لم يكونوا على استعداد لقبول ذلك... لقد جاء الرد الإسرائيلي على عرضه هذا بأن إسرائيل على استعداد لتوقيع اتفاقية سلام مع الأردن، ولكن فقط إذا وافق الأردن على التنازل عن أجزاء من الضفة الغربية، وكل القدس الشرقية»، وهكذا فقد انتهت تلك اللقاءات السرية المبكرة إلى لا شيء.

إنه كتاب في غاية الأهمية وإنه يستحق القراءة بالفعل ولعل أهميته تزداد عندما يعرف القارئ أن الملك حسين عندما ولج باب اللقاءات السرية مع بعض الإسرائيليين كان أكثر تمسكاً بالحقوق العربية والفلسطينية من بعض الذين فاوضوا لاحقاً على هذه الحقوق بصورة علنية، ولهذا فقد انتهت تلك اللقاءات المبكرة من دون أي إنجاز لأن العاهل الأردني الراحل رفض التنازل للإسرائيليين عن أي شبر من الضفة الغربية، ولأنه تمسك بضرورة استعادة كل الأراضي التي احتلت في حرب عام 1967، وفي مقدمتها القدس (الشرقية)... لقد جاء في هذا الكتاب على لسان مؤلفه البروفسور آفي شليم: «كان الملك حسين يدرك أنه بصدد مخاطرة كبيرة... وكان يعرف أن العرض الذي تقدم به (إلى الإسرائيليين) هو بمنزلة تضحية «شخصية» كبيرة أيضاً... لكنه مع ذلك أقدم على ما أقدم عليه وهو على استعداد لقبول حكم شعبه والأمة العربية والتاريخ».

* كاتب وسياسي أردني