Ad

لن يكون بمقدور من تعوّد علاقة السادة والعبيد ونقل البندقية من كتف إلى كتف والانتقال من هذه الضفة إلى الضفة الأخرى، أن يدرك أو يستوعب أو حتى يتفهم العلاقة بين إيران وسورية و«حزب الله».

ونحن نعيش الأيام العشرة الأخيرة من حكم الرئيس اللبناني إميل لحود الذي أطلق عليه «حزب الله» قبل أيام فخامة «المقاوم» تكريماً لمواقفه وسيرته المشرفة والمبدئية من المقاومة على امتداد عهده الذي دام تسع سنوات، وفي أوج ما سماها الرئيس نبيه بري بالأيام «العشرة المستطيرة» تبرّع وزير الخارجية الفرنسي الاشتراكي المؤصل في عقيدة نقل البندقبة من كتف إلى كتف، كما يفعل بعض أصدقائه اللبنانيين المخلصين حتى يرضي رئيسه «المهزوز» في السياسة والسلوك الاجتماعي كما قالت عنه زوجته المطلّقة في تصريحات صحفية لافتة بعد إعلان الطلاق، وحتى يرضيا سويّاً المتعهد الأميركي بضرب الاستقرار اللبناني ومنع التسوية وبالتالي منع أي تفاهم أو تلاقٍ بين اللبنانيين تحقيقاً لنبوءة الرئيس بري عن العشرة المستطيرة، خرج علينا «كوشنير أفندي» كما يقول إخواننا اللبنانيون بمقولة فحواها «إن حزب الله هو الذي قلب الطاولة في اللحظة الأخيرة على مساعي التسوية تحقيقاً لمآرب إيرانية...» وانطلقت «الجوقة» المنخرطة في نمط تفكير «كوشنير» وسواه ممن لا يفقهون من العلاقات بين الناس في العالم إلا من يكون نسخة من علاقات بعضهم مع بعضاً، انطلقوا في حملة تشهير بـ«حزب الله» اللبناني وأمينه العام السيد نصرالله، معتبرين إياه «العقبة» الأساس في منع التوصل إلى رئيس توافقي لغايات ومآرب إيرانية!

هذا الكلام لم يكن وقعه البتة على «حزب الله» أو على إيران بجديد! فهم سبق أن تعوّدوا سماع السمفونية الدعائية المسمومة منذ تأسيس هذا الحزب على خلفية الغزو الصهيوني الوحشي للبنان عام 1982، التي لا تأتي على ذكر هذا الحزب إلا مصحوبة بعبارة «الحزب الموالي لإيران» لغاية واضحة وهي الانتقاص من هويته وطبيعته اللبنانية الوطنية!

وهي نفس السمفونية التي كانت توصم بها سورية نحو ثلاثة عقود متوالية أي منذ قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية «بالتبعية» لإيران والخروج على الإجماع العربي! وإن بلغات ومقولات ونعوت متفاوتة آخرها هو ما اصطلح على تسميته «بالمحور السوري الإيراني» تخفيفاً، المحور الذي أقل ما قال عنه المعتدلون من المغتاظين من هذه العلاقة «إن سورية لم تجد حضناً عربياً دافئاً فاضطرت إلى اللجوء إلى الحضن الإيراني»! كما جاء في محاضرة ألقاها دبلوماسي عربي رفيع في الأكاديمية العسكرية السورية.

ومنذ فترة، وكما هو واضح للعيان، يتم الحديث وبصوت عال وعلى أكثر من مستوى عن ضرورة فصل سورية عن إيران أو ما يسمونه بفك التحالف بينهما، وذلك من خلال ما يسمونه «مغريات» مرة، وحزمة محفزات مرة أخرى، وجزرة هنا أو هناك مرة ثالثة، وذلك من أجل إعادة سورية إلى الحظيرة العربية كما يقول معتدلو العرب، وإلى الحظيرة الدولية كما يقول الأوروبيون، وإلى مسار «السلام العربي-الإسرائيلي» كما يتمنى بعض المخادعين الأميركيين وبعض الإسرائيليين الدجالين!

وامتد الشيء نفسه في السنوات الأخيرة إلى حركة «حماس» الفلسطينية وما ترتب على ذلك ولا يزال يترتب من نفخ في فتنة فلسطينية داخلية تم ربطها في أحيان كثيرة بالهلال الشيعي مرة و«إنفلونزا» النفوذ الإيراني مرة وموجة خطر التشيع وما شابه من أفكار «مبدعة» في إطار نظرية الفوضى الأميركية الخلاقة دوما!

لا أحد يتصور في عالم الجريمة والمافيا ونظرية السادة والعبيد والسخرة أن يكون هناك إمكان لقيام علاقة سليمة في مكان آخر من العالم الحر، بين أطراف متعددة تقوم على عقيدة مشتركة ومصالح استراتيجية طويلة الأمد وظروف مواتية لتنمية هذه العلاقة على أسس متكافئة ومتساوية الأضلاع!

وعالم «كوشنير» وقبله «جون بولتن» وعشرات الدبلوماسيين وغير الدبلوماسيين من الغرب الاستعماري وبعض العرب والمسلمين المنبهرين بنظرياتهم وأدائهم والمتماهين بل المستأنسين لتلك العلاقة الرثة بين السيد والعبد، هو من ذلك العالم الآنف الذكر!

فهؤلاء لا يمكن أن يتصوّروا ولو للحظة أن صانع القرار اللبناني الحقيقي عندما يتعلق الأمر بمصير لبنان هو السيد حسن نصر الله لا غير، وأن جميع الإيرانيين والسوريين إنما يصغون إليه وإلى تعليماته بمن فيهم كبار القوم في البلدين، لأن العلاقة قائمة في الأساس على مثل هذا التفويض!

وكذلك الأمر عندما يكون القرار متعلقاً بسورية، وهكذا عندما يكون متعلقا بفلسطين أو متعلقا بإيران، رغم قوة التحالف الاستراتيجي الذي لا تنفك عراه مهما كان حجم المغريات أو حجم المعاناة لا فرق!

ليس هناك رأس وذَنَب في هذه العلاقة، بل هي أطراف متساوية ومتكافئة مهما أبدع الأفاكون من فتن، لأنه لا أحد في هذه الأطراف تعوّد نقل البندقية من كتف إلى كتف! نعم قد يصيب هذا الطرف أو ذاك وقد لا يعجب أو يرضى هذا الطرف أو ذاك، لكنهم يتحمل بعضهم بعضا لأنهم متفقون على اتجاه البوصلة التي لا تشير عندهم إلا إلى القدس! وهنا يكمن بيت القصيد!

لكن هذا لن يكون بمقدور من تعوّد علاقة السادة والعبيد ونقل البندقية من كتف إلى كتف والانتقال من هذه الضفة إلى الضفة الأخرى، أن يدرك أو يستوعب أو حتى يتفهم مثل هذه العلاقة!

وبما أن الأمثال تضرب ولا تقاس، فإن ثمة مثلاً إيرانياً شهيراً يمكن أن يكون معبراً هنا وهو القائل «الكافر يقيّم الناس على قياسه» واللبيب من الإشارة يفهم!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي-الإيراني