هل يتحقق السلام في زمن أوباما؟

نشر في 09-02-2009
آخر تحديث 09-02-2009 | 00:00
 لمى فريد العثمان يواجه أوباما تحديات صعبة ومعقدة ومتداخلة لاسيما في ملف الشرق الأوسط وما يحتويه هذا الملف من ألغام كثيرة كالتسلح النووي في إيران، والصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، ومواجهة الميليشيات المتطرفة المسيطرة في المنطقة كـ«حزب الله» و«حماس»، والوضع في العراق وملفات أخرى كثيرة. وعلى الرغم من سوداوية المشهد السياسي في الشرق الأوسط، فإن إدارة أوباما الجديدة ستنتهج سياسة الدبلوماسية القوية بعكس سياسة بوش العضلاتية التي أحدثت ضررا بالغا في المنطقة. وسيكون لإعادة دور الدبلوماسية الأميركية في المنطقة التأثير الكبير بعد أن هجرها بوش الذي أدت سياساته غير المسؤولة إلى فشل ملف الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني وإلى إضعاف دور المعتدلين في المنطقة وتزايد مشاعر الكراهية وتعزيز موقع الأصوليين والمتطرفين في الجانبين العربي والإسرائيلي على حد السواء.

الأيام الأولى لبدء عمل أوباما تحمل دلائل واضحة على أولوية ملف الشرق الأوسط لدى إدارة أوباما كما تبين خطواته السريعة وجديته في لعب إدارته دوراً رئيسياً في المنطقة. ومن الواضح أن أوباما سيعمل في الوقت نفسه على ثلاث جبهات متداخلة، سيؤثر تطور إحداها على إمكانية نجاح الأخرى. وهي الجبهة السورية والجبهة الإيرانية والجبهة الفلسطينية-الإسرائيلية، وذلك بمساعدة حلفائها من الدول العربية والأوروبية والأمم المتحدة. فقد تتفاوض إدارة أوباما مع سورية من أجل توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل، ذلك أن نجاح الصفقة بين سورية وإسرائيل (من خلال استعادة الجولان)، سيضعف من تأثير إيران (الحليف الرئيسي لسورية) في المنطقة وبالتالي سيقل الدعم لـ«حماس» و«حزب الله»، الأمر الذي سيساعد على استقرار لبنان والمنطقة. كما ستدخل إدارة أوباما في حوار مباشر مع إيران بشأن التسلح النووي من خلال تقديمها حوافز اقتصادية وأمنية مشجعة من أجل الوصول إلى تنازلات مرضية لكلا الطرفين، إدراكا منها أن الحوار هو الخيار الأفضل بعد فشل محاولات بوش العقيمة.

أما بالنسبة لعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين فثمة توقعات بأن إدارة أوباما ستعمل مع حلفائها الأوروبيين والعرب على إنجاح المبادرة السعودية التي تقضي بتوقيع الدول العربية معاهدة السلام مع إسرائيل والتطبيع معها على أن تنسحب إسرائيل إلى حدود ما قبل 1967 وتقبل بالدولة الفلسطينية. ولكن ذلك لن يتم بنجاح مالم توقف إسرائيل العمليات الاستيطانية، ومالم تحل أزمة الصراع الفلسطيني-الفلسطيني وتشرك «حماس» في المفاوضات. ولكن المعضلة هنا هي أن «حماس» ترفض كل المعاهدات السابقة التي وقعتها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل. لذا على إدارة أوباما لعب الدور الدبلوماسي بشكل ذكي وجدي وعاجل عن طريق إقناع «حماس» بأن مسؤوليتها في إعادة الاستقرار والأمن إلى غزة سيكون لمصلحتها من خلال تبني السبل الدبلوماسية والتخلي عن العنف، والضغط على إسرائيل في الوقت نفسه لإيقاف العمليات الاستيطانية.

في الواقع، على أوباما إعطاء الجانب الفلسطيني حقه هذه المرة، على عكس ما كانت تفعل الإدارات الأميركية السابقة، فعليه أن يدفع بقبول حق اللاجئين في العودة لوطنهم تماما كما دعمت السياسة الأميركية في البوسنة قرار حق العودة. بالإضافة إلى ذلك، على إدارة أوباما الدفع من خلال الأمم المتحدة لتعويض الضحايا الفلسطينيين الذين عانوا وهُجِّروا من بيوتهم وقراهم.

لا شك أن مهمة أوباما لن تكون سهلة على الإطلاق، ولكن ما يدعو للتفاؤل هو التحرك السريع والنشط لأوباما من خلال تعيين جورج ميتشل كمبعوث خاص إلى منطقة الشرق الأوسط، وهو المفاوض المخضرم الذي استطاع أن يجمع الطائفتين البروتستانتية والكاثوليكية في أيرلندا الشمالية بعد معاناة دامية استمرت عشرات السنين. ويرى ميتشل أن «الألم هو الذي سيصنع الأمل» في حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وأن «ليس هناك شيء اسمه نزاع لا يمكن إنهاؤه، فالنزاعات تبدأ على يد البشر وتنتهي على يد البشر».

السؤال: هل ستنجح إدارة أوباما في حل ألغاز هذه البقعة الملغومة من الأرض؟ هي بالفعل مهمة صعبة للغاية ولكنها ليست بمستحيلة، فمن كان يعيش في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية وشهد دمارها وخرابها لن يتخيل إطلاقا أن تجتمع تلك الدول وتتعاون، من أجل منع وقوع حروب أخرى، على إنتاج الفحم والصلب، بل تتحد لاحقا لتصبح من أكثر القوى ازدهارا وتطورا وتأثيرا.

لاشك أن السياسة هي فن الممكن على أرض الواقع... ولكن هل سنتعلم الدروس التاريخية لأهمية فن الممكن أم سنظل متشبثين بشعاراتنا التي لا تغني ولا تسمن من جوع؟ هل ستتمكن شعوب هذه المنطقة من العيش بكرامة وأمن وسلام؟ أم أن كرامتها لن تكون إلا بموتها؟ وهل سنركب قطار السلام كما فعل الأوروبيون قبلنا؟ أم سيفوتنا هذه المرة أيضا؟

back to top