قبل أن يتلاشى صدى تصريحات الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز التي زفّ البُشرى فيها للعرب بأن اسرائيل تقبل مبادرتهم لحل أزمة الشرق الأوسط، انهارت الأوضاع السياسية الاسرائيلية بعد فشل تسيبي ليفني في تشكيل حكومة جديدة، وتقرّر إجراء انتخابات مبكرة غير معروف من الذي سيفوز فيها، مع أن بعض استطلاعات الرأي يشير إلى أن الأوفر حظاً هو اليميني المتطرف بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود.

Ad

والمُحزن المُضحك أن الاشقاء الفلسطينيين، الذين أحوالهم أسوأ بألف مرة من أحوال الإسرائيليين، بادروا بعد انهيار الأوضاع السياسية الإسرائيلية إلى الإسراع في إصدار تأكيدات قالوا فيها إنهم سيقبلون أي رئيس وزراء اسرائيلي تُفرزه صناديق الانتخابات التي تقرر إجراؤها في فبراير المقبل... وكأن المشكلة متوقفة عليهم وعلى ما إذا كانوا يرفضون أو يقبلون من يقرر الاسرائيليون أن يكون رئيس وزراء لهم!

عشيّة انعقاد مؤتمر مدريد الشهير في بدايات تسعينيات القرن الماضي، وعد رئيس وزراء إسرائيل الأسبق إسحق شامير بأن المفاوضات مع الفلسطينيين ستستمر عشرين عاما من دون أي نتيجة، والحقيقة أن وعد هذا الإرهابي الكبير قد تحقق، فقد خَلَفه حتى الآن في موقع المسؤولية ستة رؤساء حكومات بقوا كلهم يدورون في حلقة مفرغة، وبقي السلام كلما ظن الفلسطينيون والعرب أنه اقترب، يهرب بعيداً ويصبح سراباً لا تلامسه أنامل الحقيقة.

قبل فترة أطلق إيهود أولمرت صيحة ضمير قال فيها، إن الحلم اليهودي قد انهار، وإنه لابد من الاعتراف بدولة للشعب الفلسطيني إلى جانب الدولة الإسرائيلية، لكن مع ذلك فإن توجهات الإسرائيليين لم تتغير، والتعامل مع الفلسطينيين بقي على ما هو عليه.

وتصريحات شمعون بيريز، الآنفة الذكر، لم يأخذها أي إسرائيلي على محمل الجد، فهو أولاً ليس صاحب قرار، وثانياً من المعروف عنه أنه ينطبق عليه المثل القائل «لا تنظر إلى دموع عينيه، لكن انظر إلى فعل يديه».

الآن، هناك وضع فلسطيني مخيّب للآمال، فالانقسام السياسي والجغرافي آخذ بالتجذّر، والحوار الذي يوصف بأنه وطني بات مضحكاً ولا يبشر بأي خير، وهناك الآن انتخابات أميركية لا يمكن الجزم بمن سيفوز فيها، وعندما ينهار الوضع الإسرائيلي على هذا النحو، فإن هذا معناه أن البحث عن إبرة صغيرة في كومة من القش أسهل من البحث عن السلام في هذه الصورة المشوّشة، التي يزيدها تشويشاً أن الأوضاع العربية بدورها لا تبعث على أي أمل، وأن القضية الفلسطينية غدت بالنسبة إلى معظم العرب قضية ثانوية تقف أمامها أولويات كثيرة.

أول تعليق لـ«حماس» على مستجدات الوضع الاسرائيلي، قالت فيه، إن هذا يثبت ان إسرائيل لا تريد السلام... وكأنها تكتشف البارود مرة أخرى، وهنا فإن على هذه الحركة الفلسطينية أن تسأل نفسها عما إذا كان ما قامت وتقوم به يعزز الحالة الفلسطينية في وجه تعنّت الإسرائيليين، أم أنه يخدم هذا التعنّت ويبرره؟!

* كاتب وسياسي أردني