صقر يُطْبِق جناحيه
كما هو من الصعب قراءة تاريخ النضال الوطني في الكويت من دون أن يكون أحد أبناء أسرة الصقر ركناً أساسياً فيه، فإن تخيل الانتخابات ومجلس الأمة من دون وجود النائب السابق محمد الصقر فيهما لا يقل صعوبة، وأقول ذلك غير مؤمن بتوريث المواقف مع الإكبار والإجلال لبصمات الرواد حمد وعبدالله وعبدالعزيز وجاسم الصقر رحمهم الله جميعاً، بل إيماناً بأن لمحمد الصقر رصيداً من العمل الوطني يعد ركناً أساسياً يضاف إلى أركان بناء الكويت كدولة مؤسسات. ولست من محترفي تمجيد الأفراد وإعلائهم فوق المؤسسات، خصوصاً أن هذه الكلمات تسطر في جريدة مَن أكتب عنه، ولكن من الصعب تفويت حدث بحجم عزوف الصقر عن الانتخابات من دون تعليق.يتميز الصقر بمواقفه السياسية الواضحة التي بالإمكان التنبؤ بها والاطمئنان بأنه لن "يكسر فينا" كما فعل غيره، وهذا ما يجعل عزوفه عن البرلمان خسارة لعنصر اطمئنان وصمام أمان بالنسبة لي كمواطن متمسك بالدستور والقانون والحريات وأعتبر الصقر أحد الذين أعوِّل عليهم في هذه القضايا. ومما ستفقده الساحة قدرته على رفع سقف الطرح السياسي، وهي قدرة لا يمتلكها مرشح آخر حالياً برأيي سوى الرمز أحمد السعدون.
سيكون من الصعب تعويض الثقل والجرأة اللذين يتيحان الانفراد بفضح سرقة الناقلات بتفاصيلها كما فعل الصقر عندما ترأس تحرير "القبس،" ولما كان الصقر من أوائل المطالبين بترتيب بيت الحكم وفصل ولاية العهد عن رئاسة الوزراء، فإن من النادر أن يتجرأ أحد على قول "لا يجب وضع الشيخ سعد بكفة، والكويت بكفة أخرى" بهذا الوضوح المباشر كما قال الصقر في احدى ندوات انتخابات 2003، ومن الصعب أن يصرح نائب سني مطالباً بضمان حق المواطنين الشيعة بممارسة شعائر محرم من دون مضايقة كما فعل الصقر في الوقت الذي كانت سهام أزمة التأبين لاتزال تعمم على كل المواطنين الشيعة، ومن النادر أن تجد نائباً يفصح عن مصالحه التجارية بشفافية قبل إبداء رأيه بتدخل الحكومة في البورصة كما فعل الصقر قبل أشهر، وأخيراً من الصعب في زمننا أن تجد نائباً ضامناً الفوز يعزف عن الترشح للانتخابات ويصحب ذلك ببيان جريء يشخص المشكلة ويحمِّل مسؤوليتها مَن يستحق ذلك فعلاً كما فعل الصقر الأسبوع الماضي.لقد كان الصقر شخصية مثيرة للجدل وسيبقى كذلك، وتلك نتيجة طبيعية للثقل والجرأة ذاتهما، وسيظل يتفق ويختلف معه الكثيرون، ولكن عزوفه بالتأكيد سيترك فراغاً من الصعب ملؤه، وليس لأحد إنكار حقيقة أنه رجل مواقف ووقفات تجاه التيار الوطني على الرغم من السهام التي صُوِّبت إليه من القريب قبل البعيد، وهي مواقف ووقفات شهدت بعضها عن قرب أثناء انخراطي في العمل الطلابي في أميركا وانتخابات 2008. في عزوفه عن الانتخابات يُطْبِق الصقر جناحيه لبرهة أعتبرها استراحة محارب قبل التحليق في سماء العمل الوطني من موقع آخر، وكما قلت إن من الصعب تخيل الانتخابات والبرلمان من دونه، فإن عزائي هو التوقع باقترابه من جديد من المجال الصحفي عبر جريدته، فلازلت أتذكر عندما انضممت إلى "الجريدة" في 2007 كمحرر قلت أمامه "عملي هنا مؤقت إلى أن أستقر بوظيفة،" فقال "الجريدة بيتك ومكانك حتى بعد أن تستقر"، ومنذ ذلك الحين كل اتصال يأتيني من "الجريدة" بأن محمد الصقر يريد مناقشتي بأحد التحقيقات الصحافية التي نشرتها يعقبه شعور لا يوصف بالتقدير والتحدي، وهذا الشعور بالخصوصية لا يمنحه أحد كما يفعل محمد الصقر، ليس على الصعيد الشخصي فقط بل حتى على الصعيد الوطني، وسيظل هذا عهدنا به. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء