عصر الهدايا الدبلوماسيّة الثمينة ولّى إلى غير رجعة!

نشر في 25-05-2009 | 00:00
آخر تحديث 25-05-2009 | 00:00
في إطار تبادل الهدايا، أهدى الرئيس الأميركي باراك أوباما رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون مجموعة من أقراص الـDVD. أما الملكة إليزابيت الثانية فلم تحصل على هدية أفضل بكثير، إذ إن الرئيس أهداها جهاز iPod يحتوي على مجموعة من أغاني العروض، وكتاب نادر موقّع من المؤلف الموسيقي ريتشارد رودجرز.

آهٍ، كم تغيّر الزمن!

على سبيل المقارنة، أنظروا إلى بعض الهدايا التي قُدّمت خلال القرنين السادس عشر والثامن عشر، الموجودة في معرض «القياصرة والشرق: هدايا من تركيا وإيران في كرملين موسكو» في صالة عرض أرثور ساكلر. صوالج ذهبية، أنسجة فاخرة، كؤوس، خوذ ودروع وسروج أحصنة مرصّعة بالذهب. إنها بمعظمها هدايا دبلوماسية قُدّمت إلى قياصرة روسيا عن طريق موفدين من سلاطين تركيا العثمانيين وملوك إيران. قلة منها شوهدت خارج روسيا. جميعها، على حدّ تعبير معصومة فرهاد، الوصية الأساسية على المعرض وحافظة الفن الإسلامي فيه، مصممة بطريقة «تسلب الألباب إلى حد كبير».

هذه القطع الـ65 التي كانت معدّة في الأساس للفت انتباه المتلقي وإثارة إعجاب الجمهور التي تُعرض أمامه، ما زالت حتى زمننا المعاصر تذهل عيون الناس. أحياناً يصعب عليك حتى أن تعرف أين تنظر.

قد يكون مفيداً أن نبدأ بخوذتين، درعين وعصوين. فالخوذة، الدرع والعصا الأولى من إيران أما الثانية فمن تركيا. ليست معروضة جنباً إلى جنب، ثمة صالة عرض منفصلة مخصصة للهدايا الفارسية وأخرى للهدايا العثمانية، بالتالي سيكون عليك أن تتمشى جيئة وذهاباً. لكن الأمر يستحق العناء، فهذه طريقة لملاحظة الفروقات من حيث الأسلوب التي تميِّز عمل الفنانين الأتراك وعمل نظرائهم الإيرانيين.

فلنأخذ الخوذتين مثلاً. النسخة الإيرانية بعيدة كل البعد عن البساطة وهي تتصل بقناع للوجه يمكن رفعه أو نزعه. من خلال شاربيه المرفوعين نحو الأعلى وتعابيره الصارمة، يُعتبر هذا القناع الذي يعود إلى القرن التاسع عشر شبيهاً بقناع مايكل ماير في أفلام Halloween.

والآن ألقوا نظرة على النسخة التركية التي صُنعت في أواخر القرن السادس عشر أو مطلع القرن السابع عشر. هي غير متصلة بقناع لكنها تشمل تفاصيل أكثر: صور محفورة، ترصيع بالذهب عوضاً عن التغميس، قليل من الفضّة والحرير ونوع لافت من الزينة.

سيجد المرء عصا تُستخدم في الطقوس الاحتفالية من تركيا، تنم طريقة صنعها عن التحدي. ورأس هذه العصا المزين بالعقيق الأحمر والزمرد والياقوت يحاكي ترصيع عصا الملك اللافت. من منا لن يحترم شخصاً يحمل شيئاً كهذا؟

انتقلوا إلى تفقّد هدية إيران. على غرار النموذج التركي، هذه العصا مصنوعة أيضاً من الذهب لكنها لا تحتاج إلى الأحجار الكريمة لتلفت الأنظار إليها. خطوتها أوضح وأكثر تنظيماً وهي أشبه بالتصميم الحديث. إذا كانت العصا العثمانية «تحتل الصدارة» على حدّ تعبير فرهد، فهذه العصا تأتي بعدها مباشرة من حيث الترتيب.

هل بدأتم تفهمون النمط المتّبع؟ يظهر ذلك مجدداً من خلال الدرعين، فكل منهما تُظهر نمطاً مماثلاً من الخطوط المتموجة التي تنطلق من نقطة مركزية. لكن في حين رُصِّعَت كل واحدة بالأحجار الكريمة (الياقوت والفيروز، وفي حالة الدرع الفارسية، اللآلئ)، من الملاحظ أن الدرع الفارسية لم تكثر من استخدام هذه الأحجار.

ستلاحظون هذه الفروقات الدقيقة المهمّة مراراً وتكراراً. أحياناً في غرض واحد، كما هي الحال مع الخنجر والغمد اللذين يُستعملان في الاحتفالات، واللذين صُهر فولاذهما في إيران، مع القبضة والغمد المزيّنين بالنفريت، الذهب والألماس والياقوت من تركيا.

بما أن هذه الأغراض لم تُستعمل كثيراً، بقيت في حالة جيدة. لكنْ ثمة استثناء واحد بارز وهو السترة التركية المصنوعة من سلاسل حديدية والتي كانت في الماضي ملكاً للقيصر ميخائيل فيدوروفيتش (1596 – 1645) والتي ارتداها نجله خلال حربي روسيا مع بولندا والسويد. إنها قطعة فنية متقنة الصنع، لكن بما أنها لُبِسَت كثيراً خلال الحروب فلن تجذب انتباهك.

قد تكون أقراص الـDVD أو أجهزة الـiPod هدايا رمزية مقبولة بين قادة العالم خلال فترة الركود الاقتصادي، وخصوصاً إذا قدمها رئيس مهووس على ما يبدو بالواجبات والرسميات. لكن ما يلفت النظر في معرض «القياصرة والشرق» هو متعة آثمة وتذكير بما يمكن أن نسميه عصر الهدايا الذهبي.

back to top