لأن طهران أعلنت أنه سيتم تشغيل مفاعل «بوشهر» النووي في «فبراير» المقبل، ولأن في هذا الشهر ستكون الذكرى الحادية والثلاثون لانتصار الثورة الإيرانية، ولأن هناك استعدادات في إسرائيل لم تعد خافية إلا على المصاب بعمى البصر والبصيرة، فإن هناك اعتقاداً يصل حتى حدود اليقين ان الضربة المتوقعة لإيران التي طال الحديث عنها ستكون قبل ان يبدأ الإيرانيون عملية التشغيل هذه، التي إن هي بدأت فإنها ستضع العالم كله أمام واقع صعب وقد تكون معالجته سلميّاً مستحيلة.

Ad

يجب عدم تصديق شمعون بيريز عندما يقول إن إسرائيل لن تقْدِمَ على خطوة ضرب إيران وعندما يقول أيضاً إنه لا ضرورة لأن يفكر الأميركيون بهذه الطريقة، فهذا الرَّجل يحتل موقعاً شكلياً وهو ليس صاحب قرار على الإطلاق، ثم ان لعبة تبادل الأدوار ربما تكون هي التي أملت على هذا المسؤول الإسرائيلي ان يقول هذا الذي قاله كي تأتي الضربة المتوقعة مفاجئة بينما يضع الإيرانيون رؤوسهم على وسائد من الوهم غير حقيقية.

لا يمكن ان تنتظر إسرائيل الى ان يبدأ الإيرانيون بتشغيل مفاعل «بوشهر»، فهذه مسألة تعتبر بالنسبة إليهم مقتلاً استراتيجياً لا نقاش فيه، ثم ولأن الإسرائيليين يعْبـُرون مرحلة صراعات غير مسبوقة بين الأحزاب والكتل والقيادات المتنافسة فإنه شيء لا يجوز استبعاده ان يلجأ الذين يقبضون على مقاليد الأمور الآن الى الهروب الى الخارج وتوجيه هذه الضربة المؤجلة لإيران، التي إن هم أفلحوا فيها وتمكنوا من تدمير العمود الفقري للقدرات النووية الإيرانية فإنهم سيكرسون أنفسهم بضعةَ أعوام مقبلة في مواقعهم الحالية.

وأيضاً فإنه غير مستبعد على الإطلاق ان تدفع تطورات معركة الانتخابات الرئاسية الإدارة الجمهورية الحالية، إدارة الرئيس جورج بوش ومجموعته، إما الى ترك إسرائيل لتقوم بهذه الضربة المتوقعة لإيران وتقديم الدعم «اللوجستي» المعلن إلى سلاح الجو الإسرائيلي لكسب تعاطف اللوبي الصهيوني في أميركا ودغدغة عواطف الرأي العام هناك، أو القيام بهذه الضربة مباشرة التي بالإضافة الى هدفها الرئيسي هذا ستكون ردّاً على الانتصار الذي حققته روسيا في القوقاز الذي هو موجه بالأساس الى الولايات المتحدة الأميركية لا إلى جورجيا.

إنه أمرٌ في غاية الجــدية فالمعطيات كلها تشير الى ان إقــدام طهران على تشغيل مفاعل «بوشهر» في فبراير المقبل سيكون بمنزلة دعوة إلى الإسرائيليين والأميركيين كي لا يبقوا على ترددهم الحالي وكي يضربوا ضربتهم قبل ان يفوت الأوان، وهذا يقتضي ان تتحلى القيادة الإيرانية بالمزيد من العقلانية قبل ان تقدم على مثل هذه الخطوة الخطيرة، وهنا فإنّ على طهران ان تدرك ان مناوراتها العسكرية التي تقوم بها في مياه الخليج تُفْهم على أنها مؤشر خوف وضعف لا دلالة شجاعة وقوة.

* كاتب وسياسي أردني