حصانة افريقيا

نشر في 13-04-2009 | 00:01
آخر تحديث 13-04-2009 | 00:01
إن الولايات المتحدة تعاني بسبب خسارة الوظائف بمعدلات متزايدة. وبريطانيا تؤمم بنوكها. وانهار اقتصاد البلدان الصغيرة التي كانت تحلق في السماء ذات يوم، مثل أيرلندا، والمجر، وأيسلندا. وحتى الاقتصاد النشط في الصين والهند بدأ يعاني تباطؤ النمو، فانهارت الطموحات وتحطمت الأحلام.
 بروجيكت سنديكيت ومع ذلك ففي بلدان إفريقيا الواقعة إلى الجنوب من الصحراء الكبرى هناك دلالات بالغة الضآلة للأزمة المالية العالمية التي تلتهم العالم الرأسمالي.

في المدن الإفريقية المعاصرة، مازالت أسعار المساكن فلكية. فالمنزل الغربي النمط في كمبالا أو أكرا على سبيل المثال يبلغ سعره الآن ضعفي أو ثلاثة أضعاف سعر أي منزل مشابه له في كليفلاند أو غيرها من المدن في قلب أميركا. وفي حين تنهار أسعار المساكن من مدريد إلى دبلن ومن ميامي إلى لوس أنجليس، فمازالت الأسعار في إفريقيا ثابتة عند مستويات غير مسبوقة من الارتفاع.

ومن جهة أخرى، سنجد أن البنوك الإفريقية ثابتة كالصخرة مقارنة بنظيراتها المثقلة بالديون في الولايات المتحدة وأوروبا. فبينما أفلس المصرفيون الدوليون بسبب تقديمهم لكميات هائلة من القروض الفاسدة، ظل المصرفيون الأفارقة ملتزمين باكتساب الربح بالأسلوب القديم: تقديم أقل القليل للمودعين، وتحقيق هامش ربح كبير من خلال شراء الديون الحكومية المضمونة، والتي كانت عائداتها صحية.

وحتى الإنفاق الحكومي القائم على الاستدانة- الذي كان مصدراً للأذى لمدة طويلة في إفريقيا- فإنه يبدو ضئيلاً للغاية مقارنة بالديون الهائلة التي تراكمت على الولايات المتحدة وبعض البلدان في أوروبا. والآن تقترح إدارة أوباما خطط إنفاق من شأنها أن تتسبب في عجز قياسي في الولايات المتحدة يتجاوز التريليون دولار- ويضاف هذا العجز إلى العجز القياسي الذي خلفته إدارة بوش الراحلة.

ولكن هناك من الأسباب الوجيهة ما يجعلنا نعتقد أنها مسألة وقت قبل أن تعاني إفريقيا وشعوبها من التأثيرات السيئة الناجمة عن الأزمة العالمية. فمن غانا إلى كينيا، أصبحت الحكومات تواجه صعوبات متزايدة في جمع الأموال اللازمة لتنفيذ مشاريع البنية الأساسية وبيع الديون الرسمية.

أما الاستثمار الأجنبي في البلدان الإفريقية الواقعة إلى الجنوب من الصحراء الكبرى، والذي بلغ مستويات قياسية أثناء الأعوام الأخيرة، فقد أخذ في التراجع الآن، وهو ما يدل على حذر المستثمرين وليس افتقارهم إلى التفاؤل بشأن المنطقة. والصادرات من المواد الخام إلى الصين والهند وأوروبا والولايات المتحدة ـ التي تشكل العامل الرئيسي وراء طفرة النمو الأخيرة التي شهدتها إفريقيا- قد تعاني أيضاً، وذلك لأن التباطؤ العالمي يعني ببساطة انحدار مستويات الاستهلاك في أنحاء العالم المختلفة.

وتشير كل هذه العوامل إلى أن إفريقيا من الممكن أن تعاني انهياراً مالياً. فقد بلغ الاستثمار في أسهم شركات مثل Safaricom مستويات لم تكن متوقعة من الانخفاض. وإذا هبطت أسعار العقارات بشكل كبير فقد تحدث سلسلة من ردود الفعل التي قد تتسبب في إفلاس كبار المستثمرين وصغارهم على السواء، ومع الوقت فقد يؤدي هذا أيضاً إلى معاناة واسعة النطاق بين الأفارقة العاديين.

وحتى مع افتراض استقرار أسعار العقارات فمن المؤكد أن الأزمة العالمية ستتسبب في انخفاض التحويلات المالية التي يرسلها الأفارقة العاملون في وظائف جيدة في أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا والشرق الأوسط.

ويبدو أن التحويلات المالية بدأت في الانخفاض بالفعل، وهو أمر منطقي: وذلك لأن المهاجرين في البلدان الغنية هم بطبيعة الحال أول من سيتعرض للأذى بفعل تباطؤ النشاط الاقتصادي. بل ومن المحتمل أن تتباطأ معدلات الهجرة ذاتها إلى حد كبير، اعتماداً على طول وعمق التباطؤ الاقتصادي. ولا شك أن تضاؤل عدد الأفارقة العاملين في البلدان الغنية لابد أن يُترجم تلقائياً إلى تضاؤل الكميات المتداولة من الأموال في البلدان الإفريقية.

بيد أن انحدار التحويلات المالية من الخارج من شأنه أن يخلف تأثيراً ذا اتجاهين. فقد ظلت التحويلات لمدة طويلة سبباً في تحفيز التضخم في العديد من أجزاء إفريقيا. فالطبيب الأوغندي الذي يعمل في النرويج على سبيل المثال لا يبالي كثيراً بسعر الجعة في كمبالا. وهو أيضاً مستعد- وقادر- لدفع ما لا يستطيع طبيب محلي دفعه في مقابل الخدمات، أو لشراء بيت في أوغندا بالطبع. وعلى هذا فإن تضاؤل التحويلات المالية القادمة إلى أوغندا قد يعني الحد من النشاط الاقتصادي- أو ببساطة انخفاض الأسعار.

إن الانهيار المالي في الولايات المتحدة، والذي أدى إلى الأزمة العالمية، إما أن يخضع في النهاية للسيطرة، وإما أن يتحول إلى شكل جديد أكثر خبثاً، فلا يهدد بتدمير الاقتصاد الأميركي الورقي القائم على التجارة في الأوراق المالية والسمسرة فحسب، بل ويهدد أيضاً بتدمير اقتصادها الحقيقي القائم على السلع والخدمات. والحقيقة أن الرئيس باراك أوباما، الذي يتصرف وكأن السيناريو الأخير محتمل، يراهن على الإنفاق الحكومي على نطاق واسع لدعم الاقتصاد الحقيقي. وإذا ما نجحت إدارته في هذا السياق فإن احتمالات بقاء إفريقيا سالمة من الأذى ستتصاعد إلى حد كبير.

ولكن حتى لو فشل أوباما فلابد أن يظل بوسع الأفارقة أن يفلتوا من أسوأ تأثيرات الأزمة العالمية، لأسباب طيبة وأخرى سيئة. وترتبط الأسباب الطيبة باعتماد إفريقيا على ذاتها وإدراك الباحثين وصناع القرار السياسي في إفريقيا على نحو متزايد أن التجارة داخل المنطقة- وبخاصة بين إفريقيا الحضرية وإفريقيا الريفية- لابد أن تؤدي في النهاية إلى منافع وفوائد هائلة.

وهناك عامل آخر يصب في مصلحة إفريقيا، وهو يتلخص في انخفاض اعتماد شركاتها الخاصة ومستهلكيها على الأموال المقترضة. إذ إن الأفارقة يميلون إلى تسديد ثمن السلع والخدمات نقداً، مهما كان ذلك مكلفاً. في الولايات المتحدة، كانت قروض شراء السيارات والمساكن- وهي القروض التي توقف سدادها الآن- سبباً رئيسياً وراء اندلاع الأزمة المالية. أما في إفريقيا فإن قِلة من الناس يعتمدون على القروض لشراء مثل هذه البنود.

كان الاقتصاد الإفريقي القائم على النقد سبباً في تقييد التنمية في الماضي. ذلك أن السماح للناس بإنفاق ما يزيد على ما يمتلكونه بالفعل من شأنه أن يجعل من الأموال المقترضة وقوداً للنمو. بيد أن ممارسة إفريقيا لأسلوب الدفع أولاً بأول يشكل دفاعاً قوياً ضد العدوى المالية.

هناك طريقة أخرى للنظر إلى المفارقة التي ينطوي عليها الوضع الاقتصادي في إفريقيا، وهي تتلخص في الاعتراف بأن التهميش التاريخي للمنطقة في إطار النظام المالي العالمي، رغم أنه كان مكلفاً في زمن الوفرة العالمية، فإنه أثبت نفعه كنعمة غير متوقعة حين أصبح أثرى أثرياء العالم على وشك الانزلاق إلى الهاوية.

* ج. باسكال زخاري ، مؤلف كتاب «متزوج بأفريقيا: قصة حب».

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top