في كل موسم انتخابي تتنامى في نفسي قناعة مفادها أننا «شعب لا يستحق الديمقراطية»، نظراً لخروج وسائل الإعلام الصارخ حينا، ولمضمون أغلب الحملات الانتخابية في آخر، وكذلك إساءة بعض المرشحين ومقدمي البرامج، وجوقة النائحين والبكائين الذين يرون أن خلاص البلاد يتمثل في تخليها عن الديمقراطية من خلال مداخلاتهم وتعليقاتهم أو تقليعاتهم.

Ad

الديمقراطية في أصلها، نظام سياسي يهدف إلى ترشيد الإدارة، يقوم على المشاركة، الأفضلية فيه لقرار الأغلبية، مقابل انصياع الأقلية، وحفظ حقها في الاختيار، ويدعم هذا، الاعتراف بالآخر، وصون كامل للحريات، واتساع آفاق البرامج، بما يضمن تهيئة الأجواء لفضاءات أرحب للتقدم، وإيجاد أرضية خصبة للتشريع والرقابة، وحماية للمال العام، وفرض هيمنة القانون.

في الكويت، لدينا ديمقراطية، تكاد تخلو من الديمقراطيين، فنحن نعاني برامج حوارية تزخر بها فضائيات محلية، ترتكز معظمها على مبدأ صراع الديوك، ولقاء الأضداد، فتحرص على أن ينازل القبلي حضرياً، والإسلامي ينازع ليبرالياً، والشيعي يقابل السني، وما بينهما من متناقضات تفرق أكثر مما تجمع، وبعضها يتركب على بعضه، فتشاهد مآسي تعاني النقص، وباحثين عن شهرة، ومهرجين مع أشباه مجانين، وكأننا نعيش في مجتمعات مختلفة، لا مجتمع متعاضد يحيّي أفراده علماً واحداً ويتجاورون على الأرض نفسها.

محاور البرامج، الفريق البدر وفريقه، «داخل الديرة» هو بطل لأنه على أرضه بين جمهوره، وخارحها متجاوز ولا يخاف الله، هكذا بكل تسطيح، المساجد المخالفة تُهدم بفتوى أم بقوة القانون، (مع العلم بأنها مخالفة)، انتخابات فرعية أم اجتماعات تشاورية تُستخدم فيها أوراق اقتراع بالمصادفة، والاستشهاد الساذج بأن ما يحدث في الصباحية أو الفروانية، يتم في الحزب الديمقراطي الأميركي، قانون الاستقرار المالي بحيتانه الذين لا نعلم من هم ولا حجم استفادتهم، أم إسقاط القروض وسوء أوضاع المواطنين، باسترجاع فرضي لإشكالية البيضة والدجاجة أيهما سبق الآخر، التأزيم والتعطيل مسؤولية الحكومة أم المجلس، وكأن المطلوب أن يتحمل المسؤولية أحد الفريقين مقابل براءة مطلقة للثاني.

صحفنا تسمي مَن تريد رئيساً للحكومة المقبلة، وتتناسى أن هذا حق مطلق لسمو الأمير، ووزراؤنا يدلون بتصريحات خلال فترة استقالتهم، تفوق مجمل ما يقولونه أثناء حملهم الحقيبة الوزارية، أغلبها خارج حدود مسؤولياتهم، وناخبون يشعرون بالإحباط ويتغافلون عن أن ما يعانونه هو صنيعة أيديهم، ومرشحون يبيعون مناصريهم الوهم، فتغيب الكويت، ويحضر التصعيد، والغلبة وقتها لأصحاب الصوت العالي، ولا عزاء لأقرانهم المتزنين.

كل هذا يحدث قبل يوم الاقتراع، لكن مع ذلك لا يملنا الأمل، فيصر على زيارتنا في ختام عرسنا الانتخابي، ويؤكد لنا أننا شعب يستحق الديمقراطية بجدارة، ويتسامى على خدوشه الطائفية، ونعرته القبلية، ويجرؤ على التغيير وتثبيت مواقفه، فيعمل على تحسين واقعه، ورسم مستقبله، فيوصل للبرلمان أناساً، معظمهم على قدر المسؤولية، يرفعون الكويت على أكتافهم، فيسمو بهم الوطن، وتزداد تجربتنا ثراء، فتتلاشى قناعتي السابقة، لأعيد مجدداً صياغة جملتي الابتدائية، فأقول: رغم الأسى الحالي، فإن في نهاية النفق نوراً، شئنا بذلك أم أبينا، وكم نتوق لعبور هذا النفق، فنطوي معه الصفحة، ونبدأ من أول السطر، على صدر صفحتنا الجديدة.

نحن شعب يؤمن بأن الديمقراطية خيارنا الوحيد لضمان مستقبلنا، لا شيء غيرها، فدعونا نمارسها بمسؤولية، كما يجب أن تكون، لا بحسب ما يريد أعداؤنا ومناوئوها.