Ad

هذه «البورنوغرافيا» السياسية التي نشهدها لا تخيفني بقدر ما يخيفني مقدار الإحباط الشعبي الذي وصلنا إليه والذي يمكن رصده بكل بسهولة على هامش «فضيحة المصفاة الرابعة». هذا الإحباط الذي تلبس الكويتيين باتجاه الجميع، حكومة وبرلمانا وجماعات سياسية.

يكرر والدي، حفظه الله، مقولة لم أسمعها من غيره حين يشهد موقفا يتداخل فيه الحق بالباطل ويتيه الناس بين مَن هو على الصواب ومَن هو على الخطأ، حيث يقول بلهجته البدوية «ما في الفيران فار طاهر»، وكأنه يوجد لنفسه بذلك فسحة لإراحة عقله من عناء البحث عن الطاهرين في ظل اختلاط الأمور وتلوث أيادي الجميع!

مَن يتابع وقائع «مسرحية» المصفاة الرابعة، التي تتلاحق فصولها على صفحات الجرائد والمواقع والمنتديات الإلكترونية، ويشهد كيف تتسع دائرة الأطراف الضالعين فيها، وكيف تتراقص أضواء التشكيك والاتهامات وتتحرك على خشبة المسرح بين اللاعبين فتسلط على مختلف الاتجاهات والوجوه (ليبراليين، وإسلاميين بأنواعهم، وشيعة، وقبليين... إلخ)، يشعر وكأنه يتابع «بورنوغرافيا» سياسية يقوم فيها الجميع بلعب الأدوار الفاضحة من دون أن يرف لهم جفن أو يرتعش طرف!

المخزي الآخر في الموضوع هو أن فضيحة المصفاة الرابعة... وأنا أسميها فضيحة ليس من باب اتهامي لأحد محدد بالفساد، لا من الحكومة ولا من النواب، وإنما لأن تداول الموضوع بهذه الطريقة الفضائحية التي جعلت «اللي ما يشتري يتفرج»، كاف بحد ذاته لإيصاله إلى مقام الفضيحة العالي وباقتدار، كنت أقول إن هذه الفضيحة أتت وكأنها تتويج لمسيرة الإخفاق التنموي والفساد الإداري والتخبط الحكومي المستمرة طوال السنوات الماضية. أتى المشروع بميزانيته المهولة التي تتجاوز التقديرات الموضوعية كلها، وبطريقة إدارته التي تلفها وتحاصرها الشبهات من كل جانب، وبأسلوب التعاطي السياسي والإعلامي معه والذي وصل إلى أن صار أشبه ما يكون بحفلة زار وجنون.

يأتي هذا المشروع بهذه الطريقة الفاضحة وكأنه مسمار أخير في نعش مصداقية الوعود والتصريحات الحكومية بأن مسيرتها التنموية الإصلاحية مسيرة جادة ونقية، وفي نعش مصداقية الاعتقاد بأن البرلمان ونوابه هم حماة الوطن وأمواله العامة!

إن هذه «البورنوغرافيا» السياسية التي نشهدها لا تخيفني بقدر ما يخيفني مقدار الإحباط الشعبي الذي وصلنا إليه، والذي يمكن رصده بكل بسهولة على هامش هذه الفضيحة. هذا الإحباط الذي تلبس الكويتيين باتجاه الجميع، حكومة وبرلمانا وجماعات سياسية، ووصوله، أي الإحباط، إلى مرحلة حرجة من الشك في كل شيء، بل والتشكك في جدوى أي محاولة للإصلاح وعدم الثقة في نوايا كل مَن يقف خلفها.

هذه الحالة الشعبية المنهارة أدت بدورها إلى استلاب الكويتي من نفسية المواطن المرتبط بمجتمعه ووطنه، وغمسته شيئا فشيئا في نفسية الفرد الساعي إلى منافعه الشخصية ومآربه الخاصة ولو على حساب الآخرين. والحق أنه لا يمكن توجيه اللوم إليه في ظل وجوده في عالم صار فيه الجميع وعلى اختلاف مستوياتهم ومواقعهم يسعون الى مكاسبهم الشخصية.

هذه الحالة هي ما يخيف حقا في الموضوع برمته، لأنه من الممكن معالجة الخلل السياسي هنا أو هناك والتصدي لهذه السرقة أو تلك وإيقاف مسيرة الفساد في الجهات المختلفة، لكن من الصعب جدا تغيير ثقافة المجتمع إن هو تحول إلى مجتمع نفعي شخصاني غائص في مستنقع المكاسب الشخصية!