من يتابعنا اليوم يجدنا غالبا نتبارى حول ما إذا كان مجلس الأمة ونوابه هم سبب الأزمة، أم أنها الحكومة بتركيبتها الضعيفة... البعض يقول لترحل هذه الحكومة التي لم تقدم برنامجا حقيقيا ولم تقم بأي عمل وغير قادرة حتى على الدفاع عن نفسها أمام المجلس، والبعض الآخر يقول بل ليرحل هذا البرلمان المختطف للأجندات الفئوية والطائفية والشخصية، والذي لم يقدم شيئا يرتقي لطموحات الشعب، وبحسب البلاغة وقدرة الكاتب أو المتحدث على حشد الحجج وتزويق الكلام، تميل الكفة لمصلحة هذا أو ذاك. لكن الأنكى أن كثيرا من الناس لا يدري من هو سبب الأزمة، أهي الحكومة أم البرلمان؟... فالناس مرة يتهمون هذا الطرف ومرة ذاك، وإذا فاض بهم الأمر، اتهموا الطرفين وارتاحوا من التفكير. بعض اليائسين، ومنهم بعض المثقفين والمخضرمين السياسيين، بلغ به الأمر أن صار يطالب بحل البرلمان حلا غير دستوري، دون ادراك من بعضهم أن هذا يعني انقلابا كاملا على الدستور، ونقض لكل مواده بما فيها مواد الإمارة والسلطات والحريات.

Ad

لا يوجد شيء اسمه تعليق لجزء من الدستور دون جزء آخر، وهذا أمر يعرفه من لديه أدنى معرفة بالدستور. أستطيع أن أتفهم دوافع بعض هؤلاء، وأنهم ينطلقون من باب الخوف على الكويت من مستقبل مجهول، وأنهم يريدون إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولكن ليتذكروا أن الديمقراطية والحرية طريقان باتجاه واحد، نحو المزيد من الحريات، ولا مجال فيه للعودة. فمحاولات العودة كلها تعني القفز إلى المجهول المرعب، حيث لا ضمانات على الإطلاق. فمرارة ديمقراطيتنا المتخبطة، وقسوة صراعنا نحو تطويرها والانتقال بها نحو المزيد من الحرية، أفضل ألف مرة من كارثة انتزاعها وتعليق الدستور، والقفز بالكويت وشعبها إلى الظلام!

لنبعد شبح الحل غير الدستوري عن تفكيرنا، ونطرح السؤال هنا، ماذا لو حُلّ المجلس دستوريا ورحل نوابه، وأعيدت الانتخابات، من سيعود إلى قبة البرلمان؟ أليس هم أنفسهم نواب الفئوية والطائفية والقبلية والحسابات الشخصية؟ ومن سيعيدهم إلى المجلس ألسنا نحن أنفسنا الذين صوتنا لهم في المرة الأولى والتي قبلها وقبلها وقبلها؟ إذن أين الخلل، في نواب المجلس أم فينا بكل فئاتنا وطوائفنا؟ وفي المقابل، ماذا لو استقالت الحكومة، وأُعيد تشكيلها، بالرئيس نفسه أو حتى برئيس جديد تماشيا مع رأي من يعلق كل الأزمة في رقبة الشيخ ناصر المحمد رئيس الحكومة، وهو من ذلك بريء، من سيكون الوزراء الجدد؟ ومن أين سيؤتى بهم؟ قد تتغير الوجوه، ولكن ألن تكون المصادر واحدة في كل الحالات؟ وحينها فأي تركيبة وزارية سترضي كل نواب المجلس؟ وأي حكومة ستكون بمعزل عن سهام وترصدات واستجوابات هذا التيار السياسي أو ذاك؟ وفي منأى عن تعديات هذا النائب وذاك وسوء استعمال صلاحياتهم البرلمانية؟!

البعض يقول إن الأمر يحتاج الى رئيس حكومة قوي شرس ترتعد فرائص النواب أمامه، وهذا كلام فارغ، بل إن هذا التفكير لهو دليل على أن سبب أزمتنا أكبر بكثير من البرلمان بنوابه وسوء استخدامهم لصلاحياتهم، ومن الحكومة بتركيبتها الضعيفة وعجزها عن القيام بشيء. الديمقراطية الحقيقية لا ترتبط بالأشخاص، بل بالنظام. ما يحصل اليوم من فوضى ضاربة هو دليل صارخ على أن ديمقراطيتنا قاصرة، وأنه قد حان الوقت بعد 46 عاما من الممارسة، استطاعت به هذه الديمقراطية أن تقدم فيها كل ما لديها، حتى أضحت اليوم عاجزة أمام تعقيدات المجتمع كلها التي طرأت، وأمام هذه المسؤوليات الإدارية الضخمة كلها التي تزايدت وتشابكت، وأمام تلك التحديات الداخلية والخارجية جميعها، أقول إنه حان الوقت لإعادة النظر فيها وتطويرها.

لابد من تطوير ديمقراطيتنا بحيث تكون قادرة على إنتاج برلمان غير مختطف للفئوية والطائفية والشخصانية، برلمان يقوم على انتخابات جماعية لا تعطي قيمة كبرى للنائب الفرد بصلاته وعلاقاته ورصيد خدماته إنما للمجموعة والفريق ببرامجهم الوطنية وطرحهم، حيث يجب ألا يكون هناك مجال لقوائم تقوم على أساس فئوي أو طائفي. ولابد من تطوير ديمقراطيتنا بحيث يكون تشكيل الحكومة مبنياً على فريق العمل المتجانس صاحب الرؤية الواحدة، لا على أسلوب المحاصصة والتسويات ومراضاة الفئات المختلفة، لتخرج علينا حكومات يضرب وزراؤها بعضهم بعضا، ويعملون ضد بعضهم في الخفاء والعلن. لقد آن لنا أن ندرك أننا إن واصلنا المسير في الطريق نفسه، سنصل دوما إلى الوجهة نفسها، وطريقنا الذي سلكناه مرات ومرات لن يوصلنا الا الى نفس الازمات. تغيير العربة لن ينفع، وزيادة السرعة لن يغير شيئا.. لا بد من تغيير الطريق، وتغيير الطريق هو بتطوير الديمقراطية وتعديل طريقة الانتخابات واسلوب تشكيل الحكومة».