أثار الحكم الصادر من الدائرة الإدارية بالمحكمة الكلية بوقف تنفيذ قرار وزارة الداخلية بشطب المرشح خالد الشليمي وإعادة قيده في كشوف المرشحين لانتخابات مجلس الأمة وتمكينه من خوض الانتخابات البرلمانية، تساؤلات عدة، ربما يرجع بعضها إلى ما وصفت فيه الصحف في عناوينها الرئيسية، الحكم بإلغاء القرار (وليس بوقف تنفيذه)، الأمر الذي اقتضى التعريف بنوعي الرقابة القضائية فيما يلي:
* رقابة القضاء الإداري رقابة مشروعة:وبادئ ذي بدء، فإن رقابة القضاء للقرارات الإدارية سواء في مجال وقف تنفيذها أم في مجال إلغائها، هي رقابة واحدة تستمدها من مبادئ الشرعية، باستظهار مشروعية أو عدم مشروعية القرار، إلا أن الفارق بينهما ينحصر في أثر الحكم، هذا يوقف تنفيذ القرار مؤقتاً لحين الفصل في طلب الإلغاء، وذلك يعدمه إذا قُضي بإلغائه.وتفصيل ذلك أن المحكمة وهي تفصل في وقف التنفيذ إنما ترد عدواناً بادياً للوهلة الأولى من القرار الإداري على المواطن، فهي لا تحسم النزاع بين الطرفين ولا يكون تفسيرها أو بحثها إلا تفسيراً وبحثاً عرضياً عاجلاً تتحسس به ما يحتمل أن يكون وجه الصواب في طلب وقف التنفيذ ويبقى موضوع إلغاء القرار سليماً يتناضل فيه ذوو الشأن عند نظر الموضوع أمام المحكمة نفسها. * الحكم بوقف التنفيذ يقوم مقام الحكم بالإلغاء:إلا أن الحكم الذي يوقف تنفيذ القرار يقوم مقام الحكم بإلغاء القرار في بعض الأحيان من حيث المكاسب التي يحققها للطاعن كاملة بحيث يُغني عن الحكم بإلغائه، كما في حالة صدور حكم بوقف تنفيذ قرار بمنع مواطن من السفر فما حاجته- إذا سافر تنفيذاً لهذا الحكم- إلى حكم بإلغاء القرار؟* رفض وقف التنفيذ ينهي طلب الإلغاء:إلا أن من الحالات ما تبدو فيه أهمية قصوى للحكم بوقف التنفيذ تفوق أهمية الحكم بالإلغاء، كما في حالة الحكم الذي يصدر برفض وقف تنفيذ قرار بشطب أحد المرشحين من قائمة المرشحين للانتخابات، فإن استمرار المحكمة في نظر دعوى إلغاء القرار بعد ذلك قد لا يجدي إذا استطال نظر الدعوى حتى تمت الانتخابات، بل قد تنتهي مدة المجلس المنتخب أو تقارب على الانتهاء.كذلك فإن الحكم برفض طلب وقف تنفيذ القرار قد يؤدي إلى تفويت المكاسب التي يحققها الفرد من الحكم بإلغاء القرار، كما في حالة الحكم برفض وقف تنفيذ قرار بهدم عقار، فإن مقتضى تنفيذ قرار الهدم، هو انتفاء مصلحة الطاعن بعد ذلك في الحصول على حكم بإلغاء قرار الهدم بعد أن يصبح العقار أرضاً فضاء.* الإشكال في تنفيذ الحكم يناقض الشرعية:لذلك فقد أثار دهشتنا ما تناقلته الصحف من أن الحكومة قدمت إشكالاً في الحكم الصادر بوقف تنفيذ قرار شطب المرشح خالد الشليمي، لأن تقديم مثل هذا الإشكال من الحكومة- إن كان جائزاً أصلاً- يناقض مبدأ الشرعية، من ثلاث نواحي، الأولى: أن نجاح الحكومة في هذا الإشكال كان سوف يفوت على المرشح حقه في خوض المعركة الانتخابية، مع ما في ذلك من مساس بحقوق الناخبين، والناحية الثانية: أن الحكومة قد تتعرض للحكم عليها بتعويضات كبيرة فيما لو قضي بعد ذلك ونهائياً بإلغاء قرار شطب المرشح بعد أن فوتت عليه الحكومة فرصته في خوض المعركة الانتخابية، والناحية الثالثة: أنه لو فرض صدور حكم برفض دعوى إلغاء القرار بعد قضاء المحكمة بوقف تنفيذه، فإن الحكم على عضو مجلس الأمة في جريمة مخلة بالشرف والأمانة يسقط عضويته، كما أن الحكم برفض دعوى إلغاء القرار ينهي وقف تنفيذه ويرتد إلى الماضي ليعدم كل أثر لانتخابه وفوزه بالعضوية.* لماذا الحكم بوقف التنفيذ وليس الإلغاء؟:وقد يطرح ما قدمناه سؤالاً هو: لماذا لم تفصل المحكمة في موضوع الدعوى، بإلغاء القرار، وليس بوقف تنفيذه، وقد بنت حكمها على أسباب كانت كافية لإلغائه؟ حيث أسس الحكم قضاءه على أن الجريمة التي أدين فيها المرشح، وبنت عليها وزارة الداخلية قرارها باستبعاده من الترشيح، ليست من الجرائم المخلة بالشرف.لذلك سوف يصاب القارئ بدهشة بالغة، عندما يعلم أن الحكم بوقف تنفيذ القرار مؤقتاً لحين الفصل في دعوى الإلغاء، هو أجدى وأبلغ أثراً في رعاية مصالح المحكوم له من الحكم بإلغاء القرار وإعدام أثره كلية.لأنه لو كان قد صدر حكم بإلغاء القرار، لما استطاع المرشح خوض المعركة الانتخابية، لأن الحكم بإلغاء القرار لا يجوز تنفيذه، قبل الفصل في الاستئناف الذي يقام طعناً على الحكم.أما الحكم بوقف تنفيذ القرار، فهو قابل للتنفيذ الفوري، لذلك أصابت المحكمة في قضائها بوقف تنفيذ القرار، بدلاً من الحكم بإلغائه، بل وكشفت عن حصافتها، وإدراكها للخلل التشريعي في القانون، الذي يجعل للحكم بوقف تنفيذ القرار، أثراً يفوق الحكم بإلغائه.ويقع على المجلس المقبل مسؤولية تعديل القانون بما يزيل هذا الخلل.
مقالات
ما قل ودل: القضاء هو ملاذ المرشح من الشطب
26-05-2008