العقلية الانتحارية
الانتحار الإسلامي هو الأحدث في التاريخ السياسي، إلا إنه الأكثر شيوعاً في التاريخ الحديث. فانتشار «الجهاد» بين فئة الشباب المؤمنين إيماناً تاماً بذهابهم إلى الجنة، حيث يحيطهم «حور العين» و«الغلمان» و«الخمور غير المسكرة»، قد كرس هذه الظاهرة التي دعمتها أنظمة متسلطة وموازين عالمية غير عادلة.
يربط علم النفس عادة الانتحار بالاكتئاب واليأس من الحياة والهروب منها أو عقاب النفس. ولكن مع بروز ظاهرة الانتحار لأسباب إعلامية سياسية أو حضارية تغير التشخيص وظهرت أسباب مختلفة للانتحار. فمنها التضحية بالحياة من أجل «الغرض الأسمى» كالدفاع عن الشرف أو الوطن كما في اليابان وفيتنام، أو لتوفير الغذاء للآخرين مثلما يفعل كبار السن في الاسكيمو، أو الرغبة في لفت الأنظار والشهرة كما يفعل العشاق والفلاسفة عبر التاريخ ، وفي الحالات كلها يعتبر الانتحار محاولة يائسة بعد استنفاد الوسائل الأخرى المتاحة والأقل راديكالية.أما السبب الأكثر رواجاً للانتحار القائم على فلسفات دينية فهو الرغبة في حياة أخرى أفضل تحت مسمى الاستشهاد. ورغم إجماع الديانات كلها على قدسية الحياة وتحريم القتل بما فيها قتل النفس، فإن الانتحار «الحلال» شائع في الكثير من الديانات مثل الهندوسية والبوذية وحتى اليهودية والمسيحية والإسلام. ولعل الانتحار الإسلامي هو الأحدث في التاريخ السياسي، إلا إنه الأكثر شيوعاً في التاريخ الحديث. فانتشار «الجهاد» بين فئة الشباب المؤمنين إيماناً تاماً بذهابهم إلى الجنة، حيث يحيطهم «حور العين» و«الغلمان» و«الخمور غير المسكرة»، قد كرس هذه الظاهرة التي دعمتها أنظمة متسلطة وموازين عالمية غير عادلة. ولو كان لدى الانتحاري أدنى شك في قدسية رسالته أو في احتمال انتهاء الأمر به إلى جهنم وبئس المصير لما أقدم على قتل نفسه ومن معه. لذا فان الإيمان الأعمى بقدسية الرسالة وإغراء الدار الآخرة؛ هما الدافعان الرئيسان- إن لم يكونا الوحيدين- للدخول في مشروع لا رجعة فيه.وهذه العقلية التي تتميز بالاندفاع والحماس من دون أدنى حساب للعواقب «الدنيوية»، تشكل عصب فكر وأداء أغلب التيارات الدينية بشكل عام، والأصولية بشكل خاص. فأفراد هذه الجماعات مؤمنون إيماناً أعمى بقادتهم وولاة أمرهم (حملة الرسالة) ومستعدون للقيام بأي شيء يقربهم من الدار الآخرة متمثلاً في رضا قياداتهم. لعل هذا من أهم مزايا سيطرة السلف على مجلس الأمة الحالي مقابل «الإخوان» أو أي من الجماعات الأخرى الأقل تطرفاً. فهذه العقلية «الانتحارية» كانت واضحة تماماً منذ اليوم الأول من إعلان نتائج الانتخابات وقبل تشكيل الحكومة الحالية. فزيارات وتصريحات خالد السلطان في ذلك الوقت هي بمنزلة مهمة انتحارية سياسية. في حين يستمر زملاؤه أعضاء المجلس في التصرف والتصريح بالعقلية الانتحارية نفسها التي لا تعرف كيف تزن العواقب لأن المنتحر لا يكترث عادة بما يحدث في الدار الدنيا بعد استشهاده. فنراهم يهددون بأسلمة القوانين تارة، ويطعنون بشرف وديانة الآخرين تارة أخرى من دون أي تردد أو تحفظ أو اعتبار لقواعد العمل السياسي والموازين الانتخابية والاجتماعية وحتى الإقليمية. هذا الفشل السياسي يجعل من المنطقي توقع قصر العمر السلفي على الساحة البرلمانية والسياسية في الكويت... وعزاؤهم الوحيد الحور العين وغلمان وخمور الآخرة إن شاء الله!