الحقيقة أن الخلاف بين النظام المصري و"حزب الله" لم يبدأ من الآن ولا منذ حرب غزة أو تموز– كما يعتقد البعض- ولكنه بدأ منذ نجاح الحزب في تحرير الجنوب وخروج الجيش الإسرائيلي مهزوما مقهورا، وعندها بدأت الشعبية الجارفة لـ«حزب الله» تزداد في مصر، وبدأ التقدير والإعجاب يتزايد يوما بعد يوم لقائده نصر الله.

Ad

ذكرت في المقال السابق أن الخلاف بين مصر و«حزب الله» خلاف منهج وفكر، وليس خلاف سلوك وفعل، فلا علاقة له بأشخاص دخلوا مصر بطريقة غير مشروعة وبأسماء مستعارة ومخالفين لقانون الإقامة... إلخ، وليس كذلك في بيان الاتهام للنائب العام، فجميع هذه الأفعال المذكورة ما هي إلا غطاء ساذج للخلاف الفكري بين مصر و«حزب الله».

والحقيقة أن الخلاف لم يبدأ من الآن ولا منذ حرب غزة أو تموز– كما يعتقد البعض- ولكنه بدأ منذ نجاح «حزب الله» في تحرير الجنوب وخروج الجيش الإسرائيلي مهزوما مقهورا، وعندها بدأت الشعبية الجارفة لـ«حزب الله» تزداد في مصر، وبدأ التقدير والإعجاب يتزايد يوما بعد يوم لقائده نصر الله، والأهم من كل ذلك إيمان المصريين جميعا بصواب فكر المقاومة، وأن منهجها مازال يؤتي ثماره، ويجب الاستمرار فيه، والتمسك به، وهذا تحديدا ما لا يريده النظام المصري بأي صورة من الصور.

فالمقاومة في أحد تعريفاتها البسيطة هي الرفض المسلح أو الرفض بالقوة (أما المقاومة السلبية فقصة أخرى) سواء كان هذا الرفض لاحتلال خارجي غاشم أو لنظام داخلي فاسد، وهذه النقطة هي ما تثير قلق النظام المصري... لماذا؟

لأنه يخشى أن يتحول هذا الرفض إلى رفض علني مصحوب بالفعل (مقاومة) لذلك بدأ النظام منذ تحرير الجنوب في محاولة التهوين والتقليل من هذا الحدث، وقرأنا وسمعنا أحاديث «جوبلز» النظام بأن المقاومة لم تحرر الجنوب، وأن إسرائيل خرجت من تلقاء نفسها!! وأن البلد العربي الوحيد الذي هزم إسرائيل هو مصر (وكأنما تحرير الجنوب يقلل من قيمة الانتصار المذهل في 1973!!) واستمر الخلاف يتصاعد تدريجيا.

ومع حرب لبنان الثانية بدأت الاتهامات العربية– قبل الإسرائيلية- لـ«حزب الله» بتدمير لبنان والادعاء بهزيمته وفشله رغما عن تقرير لجنة "فينوغراد" الذي أخجل العرب المستسلمين، وكان الهدف الأساسي دحض فكر ومنهج المقاومة، وتحديدا رفض انتشار الفكر المقاوم بين أبناء الشعب المصري واعتباره نهجا قديما لا يصلح للعصر الحديث والعولمة الموعودة.

ثم جاءت حرب غزة ليصل الخلاف إلى ذروته، ولم يكن من الممكن التخفي وراء أسباب مذهبية أو فكرية، فتحول– كما شاهد العالم أجمع- إلى خلاف سلوك وفعل واتهام بتبني عمليات إرهابية وتدبير حملة اغتيالات داخل الأراضي المصرية.

هذا هو التسلسل الزمني للخلاف بين مصر و«حزب الله» وقد تلاقت أفكار دول عربية أخرى مع مصر في موقفها، فاتفقت معها المملكة السعودية على خلفية قلقها من الانتشار المذهبي لـ«حزب الله» واتفقت معها المملكة الأردنية على خلفية الصلح مع إسرائيل، والرفض المطلق للمقاومة، دعما لمعاهدات السلام المشؤوم بين مصر والأردن من جهة وإسرائيل من جهة أخرى.

وإذا كان الخلاف منهجيا و فكريا فهل يمكن أن يتحول إلى جنائي كما يدعي النظام المصري؟

كما ذكرت في البداية ستنتهي القضية ببعض الاتهامات حول مخالفة قانون الإقامة والدخول بطريقة غير مشروعة، وستنتهي باقي التهم (التدمير والاغتيالات) إلى لا شيء، ولكن أثناء المحاكمة وقبلها سيحاول الإعلام إثارة الرأي العام ضد «حزب الله» كسلوك خاطئ– وهذا حق- أملا في الوصول إلى إقناع الشعب المصري بالرفض المطلق لـ«حزب الله» (فعلا وفكرا) فهل سينجح النظام في ذلك، ويتحول الشعب عن فكر المقاومة، والرفض للاحتلال الخارجي والفساد الداخلي؟ أم يظل الشعب متمسكا برفضه؟... لنرَ!!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء