هل يتحقق الحل العقلاني لإشكالية كركوك؟

نشر في 12-10-2008
آخر تحديث 12-10-2008 | 00:00
 د. شاكر النابلسي -1- كادت مشكلة كركوك والخلاف الذي نشب حولها، أن تعصف بالوفاق العراقي، وبالجبهة العراقية الموحدة من كل مكونات الشعب العراقي العرقية والدينية والطائفية، لولا أن اعتمد القادة العراقيون من عرب وكرد وغيرهم على الحل العقلاني، الذي يكفل فائدة الجميع وخير الجميع، ولا يضر أحداً من مكونات المجتمع العراقي. وهذا هو واحد من الامتحانات العسيرة التي يخوضها زعماء العراق، ويثبتون بها أنهم جديرون بقيادة العراق الجديد إلى برِّ الأمان، من خلال الحوار الحضاري، بعد أن شهد تاريخ العراق القديم والحديث، أن العراق لا يمكن له أن تحكمه فئة واحدة، أو طائفة واحدة، دون الفئات والطوائف الأخرى.

وبعد أن شهد تاريخ العراق القديم والحديث، أن بلاد الرافدين، لا تلتحم في لُحمة وطنية واحدة بحد السيف أو من خلال فوهة البندقية، إنما من خلال الحوار والتوافق بين جميع مكونات المجتمع. وهذا ما أثبتته أزمة كركوك، التي كانت أول عاصفة واجهت القيادة العراقية الجديدة، بعد أن فرغت هذه القيادة من مواجهة الإرهاب، الذي استمر في العراق طيلة سنوات خمس، وما زالت أذياله وبقاياه العفنة إلى الآن. ولكن الشوكة الإرهابية الكبيرة التي كانت عالقة في حلق العراق قد زالت. والقيادة العراقية الآن تكنس العراق من بقايا هذه القاذورات، وهذا العفن، لكي ينظف العراق تماماً من الإرهاب، ويبدأ العراق الجديد بالتنمية والإعمار، ولعب دوره من جديد في الحضارة الإنسانية.

-2- قالت الأخبار في الشهر الماضي، إن القيادة الكردستانية قد وافقت على اقتراح الأمم المتحدة الخاص بتقاسم السلطة في كركوك، وأكد رئيس مجلس النواب محمود المشهداني، أن «مجموعة 22 تموز»، قدمت اقتراحاً مستنبطاً من اقتراح الأمم المتحدة الأخير، والمادة 24 المصوّت عليها سابقاً، مشيراً إلى أن كتلة التحالف الكردستاني والاتحاد الإسلامي الكردستاني، وافقا على اقتراح الأمم المتحدة الأخير على مضض، ولكن لم يوافقا على إجراء أي تعديلات عليه، وأوضح النائب عز الدين الدولة، أن هناك تفاهماً بين الكتل البرلمانية، وطالما أن هناك حواراً، فستكون هناك نتائج إيجابية، لأن النتائج الإيجابية لا تأتي إلا بالحوار وحول المائدة المستديرة وليس في ميدان المعركة، خصوصا عندما تكون المعارك بين أبناء الوطن الواحد، والدم الواحد، والمصير الواحد. ولقد أثبت التاريخ الممتد للعراقيين من كل المكونات، أن الحوار وحده هو الكفيل بحل الإشكالات السياسية والاجتماعية في العراق، فيما لو علمنا أن العراق بمكوناته المختلفة والمتعددة أعراقاً وأدياناً، شبيه إلى حد ما بلبنان بطوائفه الثماني عشرة. ولقد جرب لبنان الحل الدموي العسكري الميليشياوي، فلم تُحل مشاكله السياسية والاجتماعية، وظلت مشاكله قائمة إلى الآن، دون حل. وهو يحاول الآن، ومنذ مؤتمر الطائف عام 1989 حل مشاكله السياسية بالحوار، بعد أن قضى خمس عشرة سنة في حرب أهلية ضروس، لم تفده في شيء.

-3- تقول الأخبار الواردة من بغداد، بخصوص إشكالية كركوك، وحلّها بطريقة حضارية هادئة عن طريق الحوار، أن النائب هاشم الطائي رئيس لجنة الأقاليم والمحافظات، قدم لمجلس النواب العراقي تقريراً شفوياً عن آخر مستجدات ونتائج المفاوضات بين الكتل، وأشار إلى أن الأجواء كانت وطنية. وأن التحالف الكردساتني وافق على المقترحات. وقرر رئيس مجلس النواب تكليف سليم الجبوري، وندى السوداني لإدارة المفاوضات بين الأطراف المختلفة للتوصل إلى اتفاق حول مقترح الأمم المتحدة الأخير. وتمت الموافقة بعد عقد اجتماعات في أروقة مجلس النواب تضمّنت مناقشات مستفيضة حول المقترح الذي تقدم به ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في بغداد «دي مستورا»، والذي تضمّن دمج الورقتين اللتين قدمهما سابقاً في إطار المادة 24 من قانون الانتخابات بصيغة توافقية.

-4- لقد كانت تضحيات الجانب الكردستاني كبيرة، من أجل حلِّ قضية كركوك العصيّة والمعقدة. ومواقف الجانب الكردستاني من قضية كركوك تُسجّل لمصلحة الكُرد ومصلحة العراق كذلك. فقد أظهر زعماء الكُرد من الحكمة والعقلانية والشجاعة وضبط النفس قدراً كبيراً، أثبتوا به للعراقيين وللعرب وللعالم أنهم جديرون بكردستان العراق، وبقيادة كردستان العراق نحو الإعمار والازدهار. وكما وصف كثير من النواب الكُرد في مجلس النواب العراقي، الحالة السياسية والنفسية التي كانوا بها، وأوضحها أنهم كانوا يشربون العلقم في سبيل التوصل إلى حل لهذه القضية. فقال النائب سعد البرزنجي عن التحالف الكردستاني: «لقد تجرعنا المرارة في قبول المقترح الأخير للأمم المتحدة، وأن هذه الموافقة تمت مراعاة لمصلحة الشعب العراقي، ولنثبت للآخرين مدى مصداقيتنا».

بينما اعتبر النائب سيروان الزهاوي، عن كتلة التحالف الكردستاني، الموافقة على مقترح الأمم المتحدة الأخير المتضمن تقاسم السلطة في محافظة كركوك، تنازلا كبيراً لأنه -كما قال- «من المفترض ألا يقاسمنا أحد السلطة في كركوك» وأظهر هذا النائب روحاً رياضية عالية، حين قال: «إن المفاوضات الجارية في مجلس النواب حول موضوع كركوك فيها نقاط إيجابية، كما أن فيها نقاطاً سلبية بحق التحالف الكردستاني» مؤكداً «أن هناك أخذا وعطاء في كل مفاوضات».

وكرر الزهاوي أنه إذا حصل تنازل من الجانب الكردستاني، فقد كان ذلك من أجل إرضاء الشارع العراقي. ومن هنا نفهم أن الجانب الكردستاني قد قدم مصلحة العراق الموحد على مصلحة كردستان العراق، وقد تجلّى هذا بوضوح من خلال من خلال ما قاله عضو البرلمان العراقي عن التحالف الكردستاني فرياد راوندزي، من أن «الورقة الأخيرة لا تلبي كل طموحات الأكراد، إلا أننا نعتقد أنها طريقة للخروج من الأزمة التي نعيشها الآن»، مشيراً إلى أن «التحالف الكردستاني قبل بهذه الورقة على مضض من أجل عدم تأخير إجراء الانتخابات في موعدها المقرر من العام الحالي».

-5- مواقف نواب التحالف الكردستاني في مجلس النواب العراقي من قضية كركوك، كانت مواقف سياسية حداثية بكل ما تعنيه هذه الكلمة، وبكل حلاوة الحداثة ومرارتها كذلك. ولقد قرأنا المرارة التي كانت في أفواه نواب التحالف الكردستاني، ورغم هذا فقد تقدم هؤلاء النواب، وقبلوا بهذه المرارة من أجل مسيرة الحداثة السياسية العراقية. إن غياب العقلانية السياسية يتمثل في غياب الحداثة السياسية، وهي تمثّل التداول السلمي على الحكم، والانتخابات النزيهة، ودولة القانون، والمؤسسات الحديثة، واحترام حقوق الإنسان والمواطن. طبعاً هذه الغيابات كلها فادحة، ويغذي بعضها بعضاً، لكن ربما كان أشدها فداحة، هو ألا عقلانية في صناعة القرار، وهذا ما نجح التحالف الكردستاني في البرلمان العراقي، في تجاوزه.

* كاتب أردني

back to top