مع تدشين شركة الاتصالات الثالثة «فيفا» نشاطها في الكويت الأربعاء الماضي، بدا واضحا أن التنافس المحتدم بين شركات الاتصالات اتخذ بعدا جديدا وانتقل من التسويق إلى السياسة.

Ad

طوال الأسبوع الماضي راجت رسائل قصيرة وتطرقت مدونات إلكترونية للقادم الجديد في عالم الاستثمار الكويتي «فيفا»، مختصر الحملة أن تَمسُك عملاء شركة «زين» للاتصالات بمشغل خدمتهم غدا دليلا على المواطنة الحقة كونها شركة كويتية صرفة، مقابل الاتصالات الوطنية المملوكة لشركة «كيوتل» القطرية، و«فيفا» التي تديرها شركة الاتصالات السعودية. الغريب في الحملة أنها تخفي بعدا تسويقيا بحتا، رغم أن ظاهرها وطني، إذ حوَّل أصحاب الحملة «الوطنية» من مفهوم يخص علاقة الفرد بوطنه، إلى قيمة استهلاكية تتلخص بعدم التفريط بأرقام شركة اتصالات. شخصيا، لم يؤلمني اختزال الوطنية بشركة «زين» للاتصالات، بقدر ما أزعجني حقا أن تبدأ الحرب الخفية بين «غيلان» الاتصالات الثلاثة بضرب تحت الحزام عبر المساس بالوطنية والمواطنة كقيمة ومفهوم، ولمصلحة «زين» على حساب الشركتين الأخريين، وفي وقت يتم فيه الحديث عن استقطاب الكويت لرؤوس أموال أجنبية، وتهيئة الأجواء لتتحول إلى مركز تجاري واستثماري عالمي، وبعد قدوم «فيفا» التي تعمل على تصحيح مسار السوق الكويتي للاتصالات، بما ستقدمه من خدمات، بدأتها بمجانية المكالمات الواردة.

مشكلتنا الحقيقية أننا ننتقي ماذا نتذكر... وماذا نتجاوز؟... فشركة «زين» بلغت من العالمية محلا لم تعد معه تلتفت إلى الكويت، وهو ما عبر عنه نائب رئيس مجلس إدارة «زين» (الكويتية الصرفة) الدكتور سعد البراك حينما قال الصيف الماضي إن الكويت لم تقدم لشركته شيئا، وإنه يعمل على نقل إدارة الشركة من البلاد إلى عاصمة توفر بيئة عمل مريحة، مؤكدا أن زين لم تعد كويتية، بل شركة عالمية تحمل جنسية 33 دولة تعمل بها، إحداها الكويت. «زين»، كمثيلتيها «الوطنية» و«فيفا»، جميعها شركات كويتية، رخص تأسيسها وتشغيلها تحمل شعار الدولة، أسهمها يملكها مواطنون، الأولى والثانية مدرجتان في سوق الكويت للأوراق المالية، فيما ستلحقهما الثالثة العام المقبل، لكن أيا من الشركات الثلاث يمكنها اختزال المواطنة أو الوطنية كمفهوم وقيمة، فالتنافس بينها تجاري بحت يقوم على أسس اقتصادية خالصة، والحَكَم هو العميل الذي يرى أين مصلحته؟ ولمن سيدفع أمواله مقابل ما سيحصل عليه من خدمات؟

في عالم الأعمال هناك مصلحة تؤطر العلاقة بين مقدم الخدمة ومتلقيها، لكننا في الكويت دائما ما نُحمِّل الأشياء أكثر مما تحتمل، ونلجأ إلى الحيلة الأضعف، ونُسيِّس التفسير، ونتخندق خلف الوطنية، فقط لنحمي أو نضرب مصالح تجارية، حتى إن كانت المنافسة على «كارت موبايل» لا يتجاوز سعره خمسة دنانير.