كامب ديفيد... 30 عاما (2) محاورة الأعداء ومناورة الأصدقاء
«ورغم رفرفة العديد من الأعلام العربية لم يحضر سوى الوفدين المصري والإسرائيلي، وقدم كل منهما مواقفه التقليدية ولم يحدث أية تقدم». كان هذا تعليق الصحافي اليهودي جوزيف فينكلستون على مؤتمر مينا هاوس الذي عقد في القاهرة في ديسمبر 77 بعد شهر من المبادرة، وكان ذلك أولى أزمات ما بعد المبادرة، وإحدى موجات المعارضة الدولية كما عبر عنها بطرس غالي، ولكن باعتباره مؤتمرا غير رسمي تم بصورة سريعة تجاوز إخفاقاته والانتقال إلى المحطة التالية وكانت دعوة السادات لبيغن إلى لقاء في الإسماعيلية، وتلخيصا لهذا الاجتماع الذي انتهى إلى تشكيل لجنتين سياسية وعسكرية، قال إبراهيم كامل إن الرئيس السادات بموافقته على تشكيل اللجنتين قد وضع العربة أمام الحصان، وأوضح الاجتماع أسلوب السادات في تعامله مع مساعديه، حيث يعمد إلى وضعهم أمام الأمر الواقع.
أما تعليق بطرس غالي فكان أكثر وضوحا فقال «ليس ثمة شك أن اجتماع الإسماعيلية قد فشل واتسم بالارتجال وعدم تنظيم المفاوضات، وكشف كذلك أن الرئيس السادات ليس له صبر على التفاصيل، ويتركها لمعاونيه ليمكنه بعد ذلك تغيير ما اتفقوا عليه..!!». وأن هدف السادات الأساسي هو استعادة سيناء أما المسائل الأخرى بما فيها الضفة الغربية فمسائل ثانوية ورفض السادات أي مناقشة مع مساعديه حول قرار تشكيل اللجنة بدعوى أنه أعطى كلمة لبيغن، ولا يمكنه سحبها وجاء اجتماع اللجنة السياسية في القدس بعد شهر، وانتهى نهاية عاصفة بعد تجاوز بيغن حدود اللياقة في حديثه أمام محمد إبراهيم خلال حفل العشاء، ورغم الرد الموفق من جانب وزير الخارجية المصري الذي هنأه عليه سيروس فانس فإن السادات أمر فجأة بإرسال طائرة خاصة عادت بالوفد في فجر اليوم التالي، ورغم ما كتبه الجميع وذكره المؤرخون حول هذه النقطة تحديدا لم يعرف أحد على وجه اليقين لماذا استدعى السادات وزير خارجيته؟! واستمرت العواصف والأزمات فبعد شهر «فبراير 78» تم اغتيال يوسف السباعي وزير الإعلام المصري في قبرص على يد مجموعة فلسطينية قامت كذلك باحتجاز طائرة مصرية، فأمر السادات بإرسال مجموعة من قوات الصاعقة لتحرير الطائرة وإلقاء القبض على الفلسطينيين والعودة بهم لمحاكمتهم في مصر، وللأسف فشلت العملية واستشهد 18 ضابطا مصريا، وتم قطع العلاقات بين مصر وقبرص، وزاد هذا الحادث من تدهور العلاقات المصرية الفلسطينية «المتدهورة أصلا» كما كان له أثر كبير في توجيه فكر السادات إلى الحل المنفرد بعيدا عن القضية الفلسطينية، وزادت الأمور تعقيداً بالغارة الإسرائيلية على جنوب لبنان في مارس 78 والتي جاءت ردا على عملية فدائية أدت إلى مقتل 35 إسرائيليا، فقامت إسرائيل بضرب الجنوب اللبناني وقتل المئات من الفلسطينيين وتشريد الآلاف وتدمير منازلهم ومخيماتهم في الجنوب، وكان أعجب ما في الغارة وردود الأفعال ما قاله السادات عندما أخبره محمد إبراهيم كامل بالغارة الإسرائيلية فسأله السادات ضاحكاً: هل أعطوهم الدرس والعلقة ولا لسه؟) ولا ندري أي علقة وأي درس كان ينتظره السادات؟ ومن الذي أعطى الدرس؟ ولمن؟... وللحديث بقية.