كما ان «المال السايب يعلم السرقة»، فإن «الاستفراد بالقرار والسلطة المطلقة يشجع على الفساد والافساد».

Ad

بل ان واحدة من اشهر العبارات المتداولة تاريخيا هي تلك العبارة التي ضمنها لورد اكتون في رسالة شهيرة للاسقف مانديل كريتون في سنة 1887، حيث قال بالنص:

«القوة تشجع على الفساد، والقوة المطلقة، مفسدة مطلقة، وعموما فان الرجال العظام دوما رجال سيئون».

جاء ذلك عبر مراقبة لصيقة للتاريخ، فكلما زادت القوة السياسية لدى القادة، وكلما اصبحوا يحكمون دون منافسة، ودون رقابة، فإن الاحتمال الارجح هو الانحراف والتسلط، والفساد، ولا يعفي ذلك مطلقا حسني النوايا من الحكام، وهم قلة على اي حال، فان لم يفسدوا هم، وان لم ينحرفوا هم بالسلطة، والاستفراد فيها، فهناك الحاشية، والشلة المقربة، والجماعة، والعشيرة، واهل الحل والعقد، وغير ذلك من المسميات. وللاسف فانه لا يمكن استثناء سلطة تحت اي منطلق دينيا كان ام مدنيا من هذه الآفة.

لذلك فان النظام الديمقراطي لم يأت اعتباطا، ولكن عبر زمن طويل من المعاناة، والقهر والتجارب القاسية التي مرت بها الشعوب، وعبر سنوات من الاحتراب والقهر والقتل، والاعتقاد بالتصفية النهائية من فئة لفئة اخرى على اسس تمييزية كالدين، والعرق، واللغة، والمذهب وغير ذلك من اسس التميز.

شهوة السلطة، والانفراد باتخاذ القرار، هي التي تتحدى التعددية، والتسامح، والسماح بالآخر، والحريات العامة، والعدالة الاجتماعية، شهوة السلطة تلك هي التي عبثا حاولت تحدي النهج الديمقراطي في الغرب الاوروبي، فظهرت لدينا اسوأ نظريات العنصرية والدكتاتورية العسكرية، كإسبانيا فرانكو، او المانيا هتلر، او ايطاليا موسوليني، ثم زالت بعد ان ذهب ضحيتها عشرات الملايين من البشر.

حتى هذه اللحظة من تاريخ البشرية، لا يبدو أن هناك اسلوبا اثبت نجاعة وكفاءة الا من خلال توسيع قنوات المشــــــاركة الشعبيــــــة، والعدالة الاجتماعية واحترام كرامة الانسان. ولا يتــــــم ذلك الا من خـــــلال فصل السلطـــــات الى تشريعيـــــة وتنفيذية وقضائية، تقوم بالتكامل في ما بينها، وتسهم في استقرار المجتمع وتعزيز كرامة الانسان.

واي اتجاه الى حكر السلطات بيد سلطة واحدة، هو اتجاه الى مزيد من الانحراف السياسي ومزيد من الفساد، وهو ليس الا «مفسدة مطلقة» مهما كانت النوايا ومهما كانت المبررات.