الدعوة التي أطلقها «حزب الأمة» بالأمس لوضع دستور جديد للبلاد، دعوة صادمة للكثير من الناس ولا شك!

Ad

الدعوة صادمة بطبيعة الحال للبسطاء الذين لا يعرفون عن الدستور شيئاً ولا يعرفون علاقته بالديمقراطية ولا موقعهم أو دورهم فيه فيضطربون من مجرد التفكير في شأنه، وصادمة لكثير ممن يعيشون عقدة أن الديمقراطية ما هي إلا امتياز منح لهم ويمكن أن يسحب في أي لحظة ولا مجال لمثل هذا الكلام الثقيل، وصادمة لكثير ممن هم أعلى مرتبة من هؤلاء- أعني على مستوى التفكير- باعتبار أن الوضع مختنق سياسياً ولا يستوعب دعوة مثل هذه، إلا أن هذه الدعوة وإن كنت أعترض على صيغتها وأسلوبها اللذين خانتهما اللباقة والدبلوماسية في تصوري، هي الدعوة الوحيدة التي جاءت بتصور لحل شامل بعيد النظرة في حين عجز الآخرون كلهم، سواء من القوى السياسية أو الأفراد الناشطين، حتى عن تلمس شكل الخروج من هذه الأزمة، وانخرطوا في التلويح إما بالوعيد والتهديد من خطوره هذا الحل أو ذاك، وإما برفع حلول جزئية لن تفضي إلى أي نتيجة حقيقية!

استقالة الحكومة، وإعادة تشكيلها ولو برئيس جديد سينتهي إلى النفق المغلق نفسه، فحكومات القرار المركزي المصلط على رأس كبار الموظفين وانعدام الخطة، لا يمكن أن تكون قادرة على مواجهة واقع سياسي واقتصادي صعب كالذي نعيش فيه، وحل البرلمان دستوريا، وهو الأمر الذي تكرر لأكثر من مرة، سيعيدنا إلى نفس المربع حيث ستتكرر نفس الوجوه بذات الأزمات وسنعود لمعايشة نفس المسرحية الهزلية.

كما أن حل البرلمان عبر ما يسمى بالحل غير الدستوري، لهو دليل واضح على أن الدستور قد عجز عن التعامل مع الواقع السياسي، وأن أدواته المتاحة كانت هي ذاتها الطريق إلى صناعة الأزمات وخنق البلاد، وكلما طالت فترة تعليق الدستور بحجة إعادة الأمور إلى نصابها ثبت الدليل على أن الدستور عاجز عن مواجهة الظروف الصعبة غير المستتبة، ناهيك عن أن الكل سيحجم عن المشاركة في حكومة الحل غير الدستوري لأنها ستكون على محك الاحتراق السياسي أمام الشارع!

أعرف أنه سيظهر لي من سيقول إن العيب ليس في الدستور، وإنما في نفوس الناس وفساد أجنداتهم الشخصية أو في عدم وجود رئيس حكومة وحكومة قوية تتصدى لهم، وسأكرر ما قلت بأن كل ما حصل قد حصل من خلال أدوات الدستور نفسها، وعليه فدستور على هذه الشاكلة يجب أن يعاد النظر فيه لتدعيمه وتحصينه وسد الثقوب التي فيه حتى لا يجري استغلاله والصعود فوقه لخلق الأزمات على هذا النحو!

نعم، لست مع الإخوة في «حزب الأمة» في عنوان دعوتهم، فالأمر لا يحتاج إلى وضع دستور جديد للبلاد، بقدر ما هو تعديل على الدستور الحالي الذي فيه من الخير الكثير، كما أن من الضروري أن تأتي هذه الإصلاحات وفق آلية تراتبية تصاعدية لا تحرق المراحل وليس هكذا كضربة سيف، وذلك حتى ترتقي بوعي الناس شيئا فشيئا لقبولها، لكنني وإن كنت لست معهم في ذلك إلا أنني أحيي فيهم قدرتهم على وضع الإصبع على مكمن الخلل الحقيقي الذي أشرت إليه كثيرا في السابق.