حتى لا نعيش بـ الخش والدس
لا مجال للمزايدة على أو الانتقاص من طبيعة المجتمع الكويتي المنفتحة والمتسامحة عبر التاريخ، فالأمثلة كثيرة في تاريخ الكويت السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي، كالسفر والانفتاح على ثقافات العالم، ووصول الأدبيات العربية إلى الكويت، وقدوم المفكرين والمستنيرين إليها، وصدور المطبوعات فيها وإنشاء دور النشر والأندية الأدبية، ناهيك عن بروز عمالقة الأدب والفن كفهد العسكر وفهد بورسلي وعبدالله الفرج وعبدالله فضالة وغيرهم ومَن تبعهم كثيرون، إذ لم تثنِ الضغوط الاجتماعية أو القيود القانونية إبداعاتهم عن التداول بين الناس. هذه المقدمة لتبيان أن من الصعب أن تأتي لجنة الظواهر الدخيلة بأعضائها ذوي الفكر الدخيل لتمحو تراثاً منفتحاً ومتسامحاً عمره ثلاثمئة سنة، إذ إن أي منع أو قيد تفرضه اللجنة على المجتمع الكويتي يعد سباحة عكس التيار وسوف يجابه، فالمنع لن يثني الناس عن فعل ما يريدون فعله. ولأن الناس لا ترتجي خيراً من مجلس الأمة أو الحكومة للدفاع عن حقوقهم، فسيلجأ الناس إلى عيش حياتهم بـ«الخش والدس» بمعنى ستنتقل أنشطة الناس المراد منعها من العلن إلى السر، وبذلك تكون لجنة الظواهر بقوانينها ليست إلا ذراً للرماد وإبراءً للذمة أمام القواعد الانتخابية للتيار الديني.
إن خطورة «الخش والدس» تكمن في تطوره إلى ثقافة عامة تعرف بـ«ثقافة السراديب» أو «underground culture» وهي نتاج طبيعي لثقافة المنع. ويجدر بالذكر أن هناك تجارب سابقة وحاضرة لتولد تلك الثقافة في الكويت، مثل تسرب أشعار فهد العسكر في الماضي، وتعود الكويتيين على جلب الكتب والأفلام والتسجيلات الممنوعة تهريباً من الخارج، ناهيك عن توجه الكويتيين إلى الخارج بحثاً عن الكتب والأفلام والحفلات والفعاليات الممنوعة في الكويت. ولعل آخر مثالين هما إقامة عرض لفريق «Axis of Evil» الكوميدي ومسرحية «ريتشارد الثالث» خلال العام الماضي، إذ آثر منظموهما التسويق لهما خلسة لأنهم توقعوا أن تستغرق إجراءات الترخيص في وزارة الاعلام وقتاً طويلاً قد تنتهي حتماً بالرفض، وقد شهدا حضوراً جماهيرياً غفيراً على مدى أيام، إذن مرة أخرى، ليس باستطاعة أحد أن يمنع الكويتيين من ممارسة طبيعتهم المنفتحة.إن على الحكم والحكومة والمجتمع المدني مسؤولية صد انقضاض التيار الديني على الحريات العامة والشخصية، فشيوع «ثقافة السراديب» تعني انفلات الأمور وأخذ المواطنين الأمور على عاتقهم بناء على قوانينهم الخاصة، وعندها سنجد بعضهم يفرط في التزمت، وبعضهم الآخر يفرط في التحرر، ومعهما ينفرط عقد دولة النظام والقانون، لذلك فإن الأمر أكثر جدية وخطورة مما نتصور.