ثمة اجتماعات علنية وسرية وأخرى شبه علنية وشبه سرية اجتاحت مدن العالمين العربي والإسلامي وبعض عواصم القرار الكبرى في هذه الأيام، أعقبتها تصريحات بل ممارسات تنذر بالشؤم وببعض الغيوم السود بالرغم من تفاؤلنا الأولي بالخلاص من إدارة الإمبراطوريين الأميركيين الجدد، وأفول نجمهم مع خروجهم من مسرح السياسة الدولي!

Ad

حقا غريب أمر حكام هذه الأمة التي ننتمي إليها، والأغرب من ذلك كله هو أنك، وكلما أعرب أحد بالكلام أو الممارسة العملية استغرابه لما يقولون ويفعلون أو ذكرهم بواجباتهم التي لطالما تغنوا بها في وقت الضيق والحاجة إلى الناس، تراهم يرفعون الصوت ضده ويهاجمونه وينعتونه بالمغامر!

لست مكلفا من قبل أحد من الإنس أو الجان بالدفاع عن إيران، وسواء صدق البعض هذا الكلام أو لم يصدقه فالأمر لدي سيان! ولكن ما معنى أن نحرف الأنظار من جديد عما يجري ويخطط ضد أمتينا العربية والإسلامية على يد الإسرائيليين والأميركيين وخلاياهم التائهة؟!

فجأة ومن دون مقدمات تصبح إيران مرة أخرى «قوة غير عربية غير مرغوب فيها وغير بناءة وينبغي لملمة كل قوى الداخل العربي وحشدها لإخراجها من لعبة المحاور الإقليمية الهدامة»!

أليس هذا هو ملخص ما أريد إيصاله من رسالة من جانب أولئك المتراكضين إلى الاجتماعات العاجلة من المختلفين مع قوى المقاومة العربية إلى صانع القرار الأميركي الجديد، وما يسمى بالمجتمع الدولي المربك، إثر تداعيات صمود غزة الأسطوري وخيبة ترويكا القتل الإسرائيلي عن تحقيق أي إنجاز على الأرض بعد 22 يوما من القتل والدمار؟!

فما الذي حصل فجأة حتى تداعيتم إلى نبذ الجارة إيران من بين صفوفكم و«تنافختم شرفا» في الدفاع عن خصوصيات البيت العربي؟! هل أنتم من ربح الحرب على الكيان الصهيوني وتحررت فلسطين على أيديكم واستعدتم بلدتي تيران وصنافر عند المضيق الذي أغلقه الراحل القومي البطل جمال عبدالناصر بوجه العدو، وحررتم إيلات واسترجعتم اسمها الحقيقي وهو أم الرشراش، وطردتم الأساطيل الأجنبية من المنطقة وتمكنتم من السيطرة على كل المضائق وطرق المواصلات البرية والبحرية وعلى مياهكم الإقليمية كلها، وصار قرار النفط والغاز والطاقة النووية بيدكم مما يعزز استقلالكم الناجز، ولم يبق من تحد أمامكم إلا إيران القوة الصاعدة، وهي تتربص بكم بطموحاتها وأطماعها؟!

مرة أخرى ليس مهماً ماذا سيقول المرجفون في المدينة عن كلامي هذا! المهم أن يستيقظ البعض الآخر من غفلته، ويتساءل عن الهدف من هذا الإصرار على حرف البوصلة العربية في أحرج الأوقات ويسأل: كم نحن -كعرب- محتاجون اليوم إلى 1في المئة مما تمارسه إيران من سياسات متضامنة مع العرب؟! وكم نحن -كعرب- قادرون إن أردنا رغم كل الاختلاف في الرؤى وغير الرؤى مع إيران أن نوظف هذه القوة الاستقلالية الصاعدة لمصلحة الأمن القومي العربي؟! نعم لمصلحة الأمن القومي العربي حتى ونحن نفاوض ونتنازل، وليس فقط إذا قررنا انتخاب خيار المقاومة، كما فعل ويفعل أبناء لبنان وفلسطين الأشاوس؟!

ثم لمصلحة من هذه «الإيران فوبيا» الكاذبة وهذه «الشيطنة» المدبرة التي تحشدون لها في الظلمة، وفي الغرف المغلقة ضد الجارة إيران، وهي القادرة في لحظة واحدة أن تدير ظهرها للعرب وتسكت فقط عن أعدائنا التاريخيين والأبديين وليس أن تتفق معهم؟!

هل تعرفون ما كلمة السر التي حملها كل الرسل وكل الموفدين وكل المفاوضين العلنيين والسريين، وبعضهم عرب أقحاح، وكل ما يسمونه من رزم الإغراءات؟!

اعترفوا بإسرائيل، واتركوا العرب بحالهم، ولكم ما تشاؤون من دور الشرطي إلى القنبلة النووية!

لكن شرف العقيدة التي يحملها جيراننا الإيرانيون هؤلاء والذين تسمونهم بـ«الملالي» سخرية وتهكماً، هو الذي جعل هذا الأمر مستحيلا مما جعل رأس العربي والمسلم مرفوعا حتى الآن!

واعذروني أكثر من ذلك وقد لا أكون أكشف سراً بذلك إذا قلت إن شعار «زمن الهزائم قد ولى» لم يكن ممكنا لولا مساهمة نخبة علماء الدين الإيرانيين الحاكمين! وما أعرفه بأن الزعيم العربي السيد حسن نصرالله يفتخر بذلك ولا يخفيه.

كل ما أتمناه ألا يأتي اليوم الذي تحكم فيه إيران برجال قوميين معادين للدين ولعقيدة المسلمين، والعياذ بالله، لأنه عندها فقط ستعرفون ماذا ستكون عليه حالة الأمن القومي العربي، ووقتها لن ينفع أحد الندم على الفرص الثمينة التي أضاعتها في لحظة طيش، معاداة أصدق حليف!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني