نحن نشجعهم على ذلك!

نشر في 03-02-2009
آخر تحديث 03-02-2009 | 00:00
 حمد نايف العنزي في يوليو 1952 قام مجموعة من الضباط في الجيش المصري بانقلاب مسلح على السلطة الملكية في مصر، نجحوا من خلاله في السيطرة على المرافق الحيوية في البلاد، وإذاعة البيان الأول لانقلابهم العسكري الذي أسموه «ثورة يوليو» وفرضوا على الملك التنازل عن عرشه لولي عهده، لكنهم بعد أقل من عام ألغوا الملكية تماما، وأعلنوا تحول مصر إلى جمهورية!

هؤلاء «العسكر» قاموا بانقلابهم الشهير بنوايا حسنة، وكانت أهدافهم واضحة من البداية، وهي القضاء على الإقطاع والطبقية والاستعمار الأجنبي، وإقامة حياة ديمقراطية صحيحة وسليمة، وتحقيق العدالة الاجتماعية لكل أفراد وفئات الشعب المصري، وبناء جيش وطني قوي متسلح تسليحاً حديثاً!

لكن النوايا شيء والأفعال شيء آخر، فلا الديمقراطية حضرت، ولا الطبقية انتهت، ولا العدالة طبقت، ولا الجيوش انتصرت، وحدها، الشعارات والهتافات بطول بقاء الزعيم الملهم المنتصر، هي التي ازدادت وتنوعت وانتشرت!

فرح الشعب المصري الطيب بهذا الانقلاب «الثوري» وهلل وصفق للعسكر المنقلبين، وتفاءلوا بالمستقبل الجميل القادم إليهم مع هذا الانقلاب، وحسدهم كثير من الشعوب العربية، وتمنت أن يحدث لها ما حدث في مصر، وشجعت سرا وعلنا عسكرها على القيام بانقلاب عسكري «ثوري»!

ثم حدث ما تمنوه، واجتاح العالم العربي موجة من الانقلابات العسكرية لا آخر لها، وكلها «ثورات» وكلها «خالدة» ويقودها على الدوام زعيم ملهم ومنتصر دائما، تدعو له الجماهير بطول العمر والبقاء في الحكم حتى الموت، أي أنه ملك بـ«دبابير» و«نياشين» و«تيجان» عسكرية!

ثم توالت النكبات والنكسات والوكسات العربية، ولم نتعلم منها شيئا، ورحنا نشجع كل حماقة يقوم بها هؤلاء الزعماء الملهمون والمؤيدون بالنصر الإلهي، والهتاف الشعبي «بالروح بالدم نفديك يا...»!

دخل الزعيم حرب 1956، وخرج منها مهزوماً، لكن إعلامه المضلل ادعى النصر، فهلّلت الشعوب الساذجة المغيبة وصفقت له، ثم راحت تتغنى بأناشيد انتصارها الزائف وتمجّد أبطاله وتحولهم إلى آلهة بدلا من أن تحاسبهم على الهزيمة!

وأصبح القائد المهزوم، بقدرة قادر، بطلاً ورمزا للأمة العربية، تحمل صوره وتقبلها الجماهير من المحيط إلى الخليج، فما كان منه إلا أن تمادى في وهم البطولة حتى هزم مرة أخرى هزيمة نكراء عام 1967 اعتبرناها مجرد «نكسة»، أي أن ما حدث ليس بأكثر من نكسة عارضة أصابتنا سرعان ما نستفيق منها وننتصر، مع أن الواقع كان واضحا حتى للأعمى، بأننا نسير في طريق الدمار والخراب والندامة!

ثم مات الزعيم المهزوم في كل حروبه، فبكت الجماهير عليه حتى جفت مآقيها! وورث الزعامة من بعده من زعم أنه حامي حمى البوابة الشرقية وأنه من سيحرق نصف إسرائيل، لكنه دخل فجأة في حرب عبثية أتت على الأخضر واليابس مع جارته إيران عام 1980 انتهت بعد موت أكثر من مليوني جندي من الطرفين إلى لا شيء، وعودة الوضع إلى ما كان عليه!

لكن «قطعان العرب» العاشقين للهزائم والمهزومين اعتبروه زعيم الأمة العربية الأوحد وقائدها المنتصر، فما كان منه إلا أن غزا جارته الكويت في طريق مختصر جديد لتحرير فلسطين، ومع ذلك، هامت الجماهير العربية عشقاً فيه وصدقت كل أكاذيبه الغبية، حتى خرج منذ سنوات من جحره ذليلاً كالفأر وليعدم بعد ذلك، ويتحول إلى أسطورة في نظر بعض تجار «الحشيش الفكري القومي» في بعض وسائل الإعلام العربية!

وفي عام 2006 أراد «سيد المقاومة» أن يحقق انتصاراً عربياً حين تسبب في حرب غير متكافئة مع العدو دفع ثمنها آلاف اللبنانيين الأبرياء، ومع ذلك اعتبر العرب هزيمته نصراً إلهياً واضحاً وصريحاً! فللعرب مفهومهم الخاص الذي لا يشاركهم فيه أحد، وهو إن كانت النتيجة 50-1 لمصلحة خصمك فمعنى هذا أنك الفائز، فالخمسون التي دخلت مرماك في مجموعها لا تساوي الواحد الذي أحرزته!

أما آخر من قال «انتصرنا» فهم جماعة «حماس»، قالوها بعد أن مات أكثر 1300 شهيد وجرح أكثر من 5000 آخرين، وتدمير غزة التي ابتلي أهلها بقيادة «حكيمة» تحسب حساباتها جيدا قبل أن تخطو أي خطوة نحو الحرب أو السلام، لكن كل هذا غير مهم، فالقوم أعلنوا انتصارهم والجماهير العربية سعيدة للغاية بهذا الانتصار الإلهي!

لن يتوقف هؤلاء المغامرون عن مغامراتهم وهزائمهم، ما دامت الشعوب العربية تشجعهم وتعتبرهم أبطالا منتصرين، ولن ينتهوا أبدا عنها، ما دمنا نعتبر مجرد بقائهم على رأس السلطة ونجاتهم من المعركة نصراً ليس كمثله نصر!

back to top