نصائح جاء وقتها!
في مذكرتها التي وجهتها الى الرئيس الأميركي «المُنتخب»، الذي لم يكن قد انتُخب بعد، والتي جاءت في هيئة نصائح، قالت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت: في أثناء حملتك الانتخابية أوضحت صراحة التزامك بحق إسرائيل باعتبارها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وأشرت إليها بأنها حليف استراتيجي في محاربة الإرهاب، وقلت إنها وأميركا تتشاركان القيم ذاتها وتحدثت عن زياراتك إلى الأماكن المقدسة في القدس وحولها، وتعهدت بأن تقف الولايات المتحدة الى جانب الدولة الإسرائيلية ما بقيت الشمس تشرق. وأضافت أولبرايت: كل ذلك جيد إن أنت قلت الشيء وعنَيته، لكن إعلم ان كل كلمة قلتها قد سُمعت بوضوح في الشرق الاوسط كما سُمعت في أميركا، وأنه كما ان العرب اعتبروا أنك سجينا آخر لما يسمونه «اللوبي الإسرائيلي» فإنك بوعودك هذه لم تضمن ثقة إسرائيل، وهي ستراقبك عن كثب لمعرفة ما إذا كنت ستتحدث عندما أصبحت رئيساً كما تحدثت عندما كنت مرشحاً.
وهي قالت أيضاً: إن عرفات لم يكن محاوراً مثالياً، لكنه كان بوسعه تمثيل الشعب الفلسطيني على الأقل... لقد كان يعرف كيف يلجم الفئوية ويقلل العنف بين الفلسطينيين وهو رفع شأن قضيته الوطنية لتشغل البند الأول على جدول الأعمال العربي، من دون الاعتماد على الحماسة الدينية، ولقد كان بوسعه صنع السلام لو أنه تحلَّى بالجرأة من أجل ذلك، لكنه لم يفعل، واليوم لا توجد شخصية مماثلة للتفاوض معها، فالرئيس محمود عباس من دُعاة التسوية الشجعان لكنه يفتقر الى سحر «أبو عمار» السياسي، إنه للتفاوض باسم شعب ما يجب ان يمتلك القائد الشرعية والقدرة على احترام الالتزامات، لذلك رغم ان «أبو مازن» مُنتخب كما ينبغي، لكنه لا يستطيع التحدث باسم «حماس»، وهو أيضاً لم يظهر القدرة للسيطرة على الفئات المتشددة داخل حزبه. وعن الإسرائيليين قالت أولبرايت: إنهم تخلوا تقريباً عن المفاوضات الجدية، لأنهم لا يؤمنون بأن الفلسطينيين الذين يريدون السلام حقاً قادرون على التغلب على الذين لا يريدونه... وهكذا فقد تحولت إسرائيل تحت قيادة أرييل شارون الى التدابير الأحادية، أي الانسحاب من غزة وبناء الجدار العازل واستهداف المسؤولين عن الهجمات عليها، ولقد افتقر خلفاء رئيس الوزراء الإسرائيلي هذا، المثقلون بالضعف السياسي، الى وضوح الرؤيا، وهذا أدى الى ان الإسرائيليين الراغبين في السلام بمعظمهم والذين لا يرون بديلاً قابلاً للحياة غيره، قد فقدوا الإحساس بالجرأة لقول ما يتعلق بكيفية تحقيقه. * * *إن هذا هو الواقع الذي يواجه الرئيس الأميركي «المُنتخب» باراك أوباما بالنسبة للعملية السلمية في الشرق الأوسط، وجاء اتصاله بالرئيس الفلسطيني محمود عباس مساء الثلاثاء الماضي تأكيداً على أنه سيضعها على رأس أولوياته، وأنه سيأخذ حتماً بنصيحة دينيس روس القائلة بضرورة الانطلاق نحو هذه العقدة الصعبة من مبادرة السلام العربية، والحقيقة ان الأمور في غاية التعقيد والصعوبة، فالدبلوماسية، كما قالت أولبرايت في مذكرتها الآنفة الذكر، ليست مفتاح نور يمكن إضاءته وإطفاؤه، ثم بالإضافة الى الانقسام الفلسطيني فإن هناك عدم الجدية العربية، وأن الإسرائيليين، حتى الذين لديهم رغبة حقيقية في وضع حدٍ لهذا الصراع، لديهم قناعة بأن العرب مناورون ومراوغون وأنهم يقولون شيئاً ويضمرون شيئاً، وأنهم رغم مبادرتهم هذه مازالوا يفكرون بتدمير الدولة العبرية. * كاتب وسياسي أردني