في كل مرة كانت تداهمني هذه الفكرة، كنت أحجم عن طرحها حتى لا يُساء الفهم، بل كنت أغالبها دائماً بإيجاد الأعذار والمبررات، وأن ظروف المرحلة مازالت تتطلب وتحتم وتستلزم وتفرض! وحين انقضت الانتخابات الأخيرة، وتشكل البرلمان وبدأت أعماله، تعذرت لنفسي في نفسي بأن أوان الحديث عن الموضوع قد راح، ولكن حين سقط النائب أحمد السعدون عن كرسيه في البرلمان، هوت الفكرة أمام ناظري من جديد، ولكن مع دوي أكبر من كل مرة، فما كان لي أن أكتب عنها.

Ad

صحيح أن سقطة السعدون كانت حادثاً عرضياً لا أكثر، وكان من الممكن أن يكون ضحيتها أي نائب آخر، ولكن السعدون ليس كأي نائب غيره، وسقطته ليست كسقطة غيره، فمن النواب من لو غاب عن جلسات البرلمان كلها، لما شعر أحد بفقده إلا عند التصويت، ومنهم من لو نظر في ناحية وأومأ برأسه لكتبت عنه الصحف في صبيحة اليوم التالي تقارير طويلة في تحليل إيماءاته ومراميها، ومن هؤلاء، بل ربما على رأسهم، أحمد السعدون!

لكن الأيام قادرة دوماً على الإتيان بالمفاجآت من حيث لا يتوقع المرء، سارة وغير سارة، ففي الانتخابات الماضية، كاد السعدون يسقط، حيث تجاوز القنطرة بصعوبة خانقة حين حل في المركز التاسع غير بعيد عن المركز الأخير، ولعله كان عرضة للخروج عن التشكيلة النيابية بشكل كان سيكون محرجاً له ولتاريخه السياسي، وكذلك لمحبيه ومريديه وأنا منهم.

رجل فذ... ورمز شامخ... وسياسي صلب محنك، بكل هذا التاريخ المعتبر، وبكل هذا الرصيد المبهر من الإنجازات البرلمانية، ويجد نفسه في هذا الموقع الانتخابي الحرج والمحرج؟! إذن حتماً هناك خلل.

الخلل في تقديري ليس في أحمد السعدون، ولا في الناخبين الذين عزفوا عن التصويت له، وإنما في واقعنا الانتخابي وفي آلية الممارسة الديمقراطية التي نسير عليها، تلك التي تميل إلى كفة معيار الخدمات الشخصية وإلى كفة المصالح المباشرة وإلى كفة دعم التيار السياسي ظالماً أو مظلوماً، أكثر من ميلها نحو معايير الرصيد السياسي والإنجاز الحقيقي. هذا الواقع، في تقديري، هو المتهم الأول عندي في جريمة أن يكون السعدون في ذيل قائمة الناجحين!

لكن، وعلى كل، فإيماني بأنه لو كانت أمورنا تسير في مسار الديمقراطية المفترض كما في الديمقراطيات العريقة حول العالم، لكان السعدون، وهو من تجاوز السبعين من عمره، قد ابتعد عن ميدان العمل البرلماني منذ سنوات، حاملاً في جعبته رصيداً ضخماً من الإنجازات السياسية، ولصار اليوم رمزاً شامخاً على رأس حزب سياسي رنان له فرسانه الذين يصولون ويجولون في البرلمان وفي عموم الساحة السياسية والإعلامية، لكننا بدلاً من ذلك نراه لايزال يستنشق غبار الميدان قائداً لسرية برلمانية لا يتجاوز عدد من فيها أصابع اليد الواحدة!

وأجدني مضطراً إلى أن أقول إن أحمد السعدون نفسه، هو مَن يتحمل ذلك الخطأ بعزوفه عن تكوين تيار أو جماعة سياسية تحمل أفكاره وتبني على رصيده من الإنجازات وتكمل ما بدأه من مسيرة سياسية، أحمد السعدون هو مَن اتجه إلى العمل البرلماني الفردي، مكتفياً بتكوين كتلة برلمانية أثبتت الأيام ضعفها عند المفاصل السياسية الحرجة لتزداد ضعفاً على ضعف!

أقدم السعدون على القيام بذلك، وهو مَن يعلم، وكلي ثقة بذلك، أن الكويت بحاجة إلى إنشاء عمل سياسي ثابت لا يرتبط بالأفراد ويستمر لمواجهة هذه التحديات المتعاقبة، أكثر بكثير من حاجته إلى رمز سياسي آخر يسجله التاريخ في صفحاته! فهل تراه سيدرك ذلك قبل فوات الأوان؟!