-1 انتهت معركة الموالاة والمعارضة اللبنانية على القاعدة اللبنانية التقليدية «لا غالب ولا مغلوب» كما يظن البعض، كما انتهت أيضاً على أرض غير لبنانية كما هي العادة التقليدية للأزمات اللبنانية. فالمعركة السياسية تبدأ على أشدها في لبنان، وتنتهي خارج لبنان كما حصل في اتفاقيتي «الطائف» و«الدوحة». ولكن الحرب في لبنان لم تنتهِ، لأنه ظهر للعيان في الدوحة، من خلال عملية «اجتياح بيروت» يوم الجمعة 7/5/2008 ، أن هناك غالباً ومغلوباً. ومن هنا كانت طريق سورية وإيران ميسّرة أمام الوسيط القطري بقوة سلاح «حزب الله»، ونالت المعارضة تقريباً كل ما تريد تحت ضغط وتأثير «اجتياح بيروت» المسلح. وكانت الموالاة تعلم تماماً بأن رجوعها إلى بيروت، من دون اتفاق مبدئي وأولي، ومن دون «بوس اللحى» العربية المعروفة، تعني حرباً أهلية. والموالاة ليس لديها السلاح الكافي والاستعداد اللازم، لخوض مثل هذه الحرب، فقبلت بالمصالحة و«بوس اللحى»، وعفا الله عما مضى، وربما كان ذلك مؤقتاً. فالأيام اللبنانية حبلى دائماً بالأزمات، ما لم تُبتُّ طبيعة الدولة اللبنانية، بأن تكون علمانية أم دينية مستقبلاً.

Ad

-2 لنعلم أن الحرب على لبنان لم تنتهِ. لقد انتهت معركة من معاركها، فهناك جولات أخرى قادمة على لبنان بالذات سواء كانت داخلية أو خارجية، وأن لبنان لن تهدأ أحواله، ويستقر الاستقرار السياسي الطويل الأمد، من دون وجود معاهدة سلام بينه وبين إسرائيل، على غرار المعاهدة المصرية والأردنية مع إسرائيل.

فهل الظروف السياسية الآن مواتية، وما الأسباب؟

-1 إن لبنان بعد حرب 12 يوليو 2006، أصبح تتنازعه قوتان إقليميتان: سورية من جهة كما هو واضح من خطاب الأسد (15/8/2006 ) الذي أعلن فيه أن أكثر من مليون لبناني من قوى 14 آذار، هم من أنصاف الرجال وعملاء لإسرائيل. وهناك إيران من جهة أخرى، التي تدفع لإن يصبح لبنان بواسطة «حزب الله»... «جمهورية لبنانية إسلامية» كما قال الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين لـ«حزب الله»، في كتابه (حزب الله: المنهاج والتجربة والمستقبل، 2002 ، ص 39) على غرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وقد أصدرت إيران بهذا الصدد طوابع بريدية، تحمل اسم «جمهورية لبنان الإسلامية» لاتزال تباع وتشترى في إيران والخارج من قبل هواة الطوابع، كما يؤكد الباحث الإيراني علي نوري زاده («الشرق الأوسط»، 17/7/2006).

-2 لا شك أن خروج القوات السورية من لبنان، ووقوف مصر والأردن، الضلعين القائمين لمثلث السلام العربي-الإسرائيلي إلى جانب الدولة اللبنانية في محنتها وحربها الأخيرة، وتشجيع هاتين الدولتين للبنان على المضي قُدماً نحو توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل، هي من الظروف السياسية المواتية للبنان الآن.

-3 إن وقوف المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبي وأمريكا، وقرار مجلس الأمن 1559، والقرار 1701، ونشر الجيش اللبناني في الجنوب، واستقدام 15 ألفا من قوات الأمم المتحدة (اليونيفيل) للجنوب اللبناني... كلها مواقف وقرارات تمهد الطريق أمام لبنان لبدء المفاوضات مع إسرائيل. وهي كلها تعتبر منتصف الطريق نحو معاهدة السلام، وتعتبر فرصة مواتية للبنان لتحقيق السلام الذي يبحث عنه لبنان الآن.

-4 وأخيراً، إقدام سورية (زعيمة الممانعة العربية وحاضنة الجماعات الدينية الفلسطينية المسلحة) على السعي نحو السلام مع إسرائيل لتحرير أرضها، التي اقتنعت سورية أخيراً بأنها لن تُحرر إلا بالسلام كما تحررت سيناء بالسلام. وللبنان أرض محتلة هي مزارع شبعا، التي لن تتحرر أيضاً إلا بالسلام. فما معنى أن تُحرر سورية أرضها المحتلة (الجولان) بالسلام، ويُحرر لبنان أرضه المحتلة (مزارع شبعا) بالمقاومة؟ فما فوائد وأضرار السلام اللبناني - الإسرائيلي؟

-3 لنبدأ أولا بالأضرار:

-1 إصابة التيار الديني والقومي المتشدد داخل لبنان وخارجه بخيبة أمل لعدم اشتراك لبنان مرة أخرى في حرب مع إسرائيل لتحرير فلسطين. إذ إن لبنان بموجب معاهدة السلام المتوقعة، سوف يكون قد حرر كل أراضيه، بما فيها مزارع شبعا.

-2 كبح جماح «حزب الله» من التوسع والسيطرة على مناطق أخرى غير الجنوب اللبناني، بعد أن أصبح يملك 75 ألف مقاتل مجهزين بأحدث الأسلحة (هذا ما قاله شارل أيوب رئيس تحرير صحيفة «الديار» اللبنانية المؤيد لسورية في تلفزيون مؤسسة الإرسال اللبنانية 17/8/2006). كما يملك أكثر من 20 ألف صاروخ من مختلف الأنواع المتاحة، واستطاع اجتياح بيروت والجبل عسكرياً في يومين فقط.

أما فوائد هذه الاتفاقية، فلا حصر لها، ونوجزها بما يلي:

-1 توقف أطماع سورية وإيران في لبنان. ففي حالة السلام مع إسرائيل، لا عودة لسورية إلى لبنان، ولا أمل لـ«حزب الله» وإيران في إقامة حلمهما بإنشاء «جمهورية إسلامية لبنانية»، كما نادى بذلك الشيخ نعيم قاسم في الكتاب السابق ذكره.

-2 دفع إسرائيل إلى بدء المباحثات الجدية مع الفلسطينيين لبناء دولتهم، فأي اتفاقية سلام عربية-إسرائيلية، هي في صالح القضية الفلسطينية حتماً وليس العكس. فقد رأينا كيف أن اتفاقية كامب ديفيد 1979 قد قادت إلى توقيع مزيد من الاتفاقيات مع الفلسطينيين في أوسلو 1993، ومع الأردن في 1994. وطمأنت إسرائيل قليلاً على وجودها، مما شجعها على أن تخطو نحو السلام مزيداً من الخطوات نحو الأردن ونحو الفلسطينيين، لولا عنت وتصلّب الميليشيات الفلسطينية الدينية المسلحة، وإفشالها بالتفجيرات الانتحارية المستبِقة لكل خطوة من شأنها أن تؤدي إلى سلام دائم في المنطقة، يخالف مواثيقها وشعاراتها بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر باعتبارها وقفاً إسلامياً، كما يقول شعار «حماس» والميليشيات الدينية الفلسطينية المسلحة.

-3 زيادة الاستثمارات الدولية والخليجية بصورة خاصة في لبنان... فلبنان بلد جاذب للاستثمارات من الدرجة الأولى مقارنة بباقي الدول العربية الأخرى إذا خيّم السلام على ربوعه، ولديه فرص تجارية وإنمائية أكثر بكثير من دبي الصحراء.

-4 وأخيراً، فإن هذه الاتفاقية، سوف تضمن عدم قيام اعتداء إسرائيلي مرة أخرى على لبنان. وسوف تعتبر حرب 12 يوليو 2006، آخر الحروب مع إسرائيل، كما أصبحت حرب أكتوبر 1973 آخر الحروب بين مصر وإسرائيل، بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد 1979.

أما ما يجعل لبنان أكثر حاجة من سورية إلى السلام مع إسرائيل، هو أن سورية لديها أمل ولو كان ضعيف في استعادة الجولان عسكرياً، أما لبنان فلا أمل لديه إطلاقاً لاستعادة مزارع شبعا عسكرياً. وما حصل في عام 2000 من انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني كان قصة أخرى مختلفة تماماً.

* كاتب أردني