لمصلحة مَن يتم تحميل مجلس الأمة، كمؤسسة دستورية، كل الأخطاء في كل مرة تنشب فيها أزمة بين السلطتين؟ فحتي لو سلمنا، جدلاً، بأن هناك مجموعة من الأعضاء يتعسفون في استخدام صلاحياتهم الدستورية، فإن الحكومة كانت تملك الأغلبية البرلمانية وتستطيع تحييد الأقلية «المعارضة» لسياساتها مهما كانت قوة هذه الأقلية البرلمانية.

Ad

من الواضح أن «التعاون» الذي كانت الحكومة تنشده هو تخلي الأعضاء عن ممارسة صلاحياتهم الدستورية بما يضمن تحصين الحكومة من المساءلة السياسية. والدليل على ذلك أن مجلس الأمة السابق كان من أكثر مجالس الأمة تعاوناً مع الحكومة... فغالبية أعضائه كانت دائما موافقة على الطلبات والاقتراحات ومشاريع القوانين التي تتقدم بها الحكومة. فعلى سبيل المثال وليس الحصر عندما أعلنت الحكومة التي استقالت العام الماضي عن رغبتها في تأجيل الاستجواب الذي كان مقدما آنذاك إلى رئيسها لمدة سنة أو سنتان كان أغلبية الأعضاء يعلنون موافقتهم على ذلك حتى لو تطلب الأمر محاولة الالتفاف على اللائحة الداخلية للمجلس أو على الدستور!

وكان أغلب أعضاء المجلس يصيبه حالات هلع واضطرابات نفسية تجعله يهرول إلى خطب ود الحكومة كلما أوردت وسائل الإعلام خبرا يفيد بأن هناك نية للتفكير في حلّ المجلس. كما أننا تابعنا كلنا ما أعلنه أغلبية أعضاء المجلس المنحل عن موافقتها على تحويل الاستجوابات الثلاثة الموجهة لرئيس الحكومة السابقة إما إلى المحكمة الدستورية وإما إلى اللجنة التشريعية، وإما إلى أي مكان آخر يضمن تأجيل أو تعطيل مناقشتها... لهذا لم يكن مستغربا أن يعبر رئيس الحكومة المستقيلة في كتاب استقالته عن شكره للأعضاء الذين وقفوا وتعاونوا مع الحكومة.

إذن المجلس السابق كان متعاوناً والحكومة كان لديها أغلبية برلمانية تتكون، في أسوأ الأحوال، من أربعين عضواً، ليس هذا فحسب، بل إن المجلس بأكمله لا يستطيع دستورياً طرح الثقة برئيس مجلس الوزراء، فكل ما يستطيع الأعضاء فعله إن رأوا عدم إمكانية التعاون مع رئيس الحكومة، هو رفع الأمر إلى صاحب السمو الأمير، الذي إما أن يعفي رئيس الوزراء ويعين وزارة جديدة وإما أن يحل مجلس الأمة.

لهذا نتساءل تري ما هو شكل التعاون الذي كانت الحكومة ترغب فيه، ما لم يكن إلغاء موضوع المساءلة السياسية تماماً والإبقاء على مجلس لا يملك أعضاؤه أي صلاحيات دستورية لمحاسبتها؟

ولمصلحة مَن يتم تحميل مجلس الأمة، كمؤسسة دستورية، كل الأخطاء في كل مرة تنشب فيها أزمة بين السلطتين؟ فحتي لو سلمنا، جدلاً، بأن هناك مجموعة من الأعضاء يتعسفون في استخدام صلاحياتهم الدستورية ويضعون العراقيل في وجه الحكومة، وهو أمر وارد حدوثه في برلمانات العالم الديمقراطي أجمع، فإن الحكومة كانت تملك الأغلبية البرلمانية وتستطيع تحييد الأقلية «المعارضة» لسياساتها مهما كانت قوة هذه الأقلية البرلمانية.

لهذا فإن الحديث عن عدم تعاون مجلس الأمة مع الحكومة السابقة ووقوفه، كمؤسسة دستورية، عقبة في سبيل تنفيذ المشاريع التنموية التي هي في الأساس من صلب عمل الحكومة هو حديث مغرض. كما أن الترويج بأن مجلس الأمة هو السبب الرئيسي للأزمة السياسية التي حدثت أخيراً، غير صحيح والهدف منه تشويه سمعة المؤسسة الدستورية ككل رغم تحفظنا على بعض الممارسات الخاطئة لبعض الأعضاء.

وفي اعتقادنا أن حل المجلس وإعادة انتخاب أعضائه لن يغير من المعادلة السياسية المختلة التي لن تستقيم ولن يستقر، بالتالي، وضعنا السياسي إلا إذا تم التوافق التام والنهائي من قبل الأطراف السياسية كافة مع الدستور والقبول بما تفرضه الحياة الدستورية والبرلمانية من متطلبات وتبعات.

ولعله من المناسب هنا أن تستفيد الحكومة القادمة من التجربة الشخصية الثرية جداً للمستشار الخارجي للحكومة السيد توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق وبالأخص أثناء «معركته» لنيل موافقة مجلس العموم البريطاني على قرار الحرب علي العراق، التي تم بها إسقاط نظام الديكتاتور صدام، وكيف واجه السيد بلير شخصياً معارضة شديدة وشرسه حتى من قِبَل مجموعة من أعضاء حزبه الحاكم ومن الرأي العام البريطاني ووسائل الإعلام المتعددة، مست سمعته السياسية وأثرت في شعبية حزبه الحاكم، ولكن رغم كل ذلك فإنه لم يترتب علي هذه «المعركة» السياسية التي تصدي لها السيد بلير ونجح فيها بجدارة، أي مطالبات بحل مجلس العموم البريطاني أو تحميله مسؤولية «توقف» التنمية.